Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/09/2009 G Issue 13488
الاربعاء 12 رمضان 1430   العدد  13488
حين ينحرف الفكر
د. محمد بن عبدالله بن علي الخضيري ( *)

 

التصرفات العبثية والأفعال الإجرامية التي تتوغل في بلادنا كنا نظن أنها تلاشت أو كادت وإذا بها اليوم تلبس لبوساً جديداً من الغدر والتخون حينما تستهدف قادة هذا ....

....البلد ومسؤوليه ورجال أمنه إظهاراً للمكر الكبار وتقصداً لنشر الفوضى واستباحة الدماء بالتفجير والقتل والاغتيال، وذلك حينما استهدفوا صاحب السمو الملكي مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن فهد ولولا أن الله سلم ولطف لكانت الفاجعة أكبر والمصيبة أعظم، والعجب لا ينتهي ممن يسلك هذا المسلك ويستبيحه بل ربما يتعبد لله به في هذا الشهر الكريم شهر رمضان المبارك ويعتبر هذا العمل جهاداً وفداءً!! إنه انتحار فكري وإفلاس منهجي قبل أن يكون انتحاراً بدنياً!!.

عجباً والله أليس للشهر حرمته، أليس للمسلم عصمته، أليس للمسؤول منزلته وللبيت الذي استضيف فيه قدره وأمانه، حتى أهل الجاهلية ما كان يغدر الضيف منهم بمضيفه أو يسطو عليه داخل قراره وبيت إقامته إنها تراكمات جاهلية وآثام إجرامية نتيجة لاختلال الفكر وانحراف ميزان التدين فكانت النتيجة مخرجات شوهاء لا تنصر ديناً ولا تعمر دنيا ولا تسترد حقا بل تعود على الجميع بالتشويه والخراب والتدمير.

إن حرمة هذه الأفعال وشناعتها من الأمور المحكمة والقضايا القطعية التي دلت عليها نصوص الشريعة وقواعدها الكلية والفرعية ودلت عليها البداهة العقلية والفطرة السوية ومنطق الفكر السليم؛ كيف لا والإسلام أعطى وصف كمال الإسلام لمن سلم المسلمون من عدوان يده ولسانه كما في الحديث الصحيح: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ونفى كمال الإيمان عن من نقض العهد وانتهك الأمانة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له) والإيمان الصحيح والتدين الصادق يحجز صاحبه عن التخوض في الدماء المعصومة والذمم المحفوظة ويحجزه عن الفتك، كما عند أبي داود مرفوعا بسند صحيح: (الإيمان قيد الفتك لا يفتك مؤمن).

وحين ينحرف الفكر وتنفرط بوصلة التفكير حتما سيختل معيار الكفر والتكفير وتأتي مخرجاتها على أشكال من الاعتداء والتدمير والإقصاء والاحتراب تتنوع أساليبها وأدواتها وتتفاقم مخاطرها وآثارها.

وبالتالي فإن هذه الأحداث تؤكد على المؤسسات والجهات العلمية والدعوية والفكرية أن تعي دورها أكثر وتستشرف المستقبل وتخطط لمرحلة تتأكد فيها العناية ببناء العقول على أصول المنهجية الوسطية المنضبطة وتوجيه الفكر توجيهاً بنائياً متيناً يرتكز على الأصول المعرفية من الدلائل الشرعية والعقلية ويتدرب على اللياقة على التحاور والتفاهم توقياً للتحارب والتصادم.

ومن نافلة القول التأكيد على أن الدين الذي يحرم ويجرم استهداف الأنفس والأموال المعصومة لا يمكن أن تحمل أصوله أو فروعه أو مؤسساته تبعة هذه الأفعال فضلاً عن أن تكون مخرجات لمدخلاته المحكمة فلا مزايدة على هذه القضية من أهل الانحراف الفكري بطرفيه الغالي أو الجافي؛ فإن ضوء النهار ليس مسؤولا عن عُشي الأبصار وضعفاء الإبصار؛ بل إن حدود الشريعة وأحكامها لم تسلم من التجني والاعتداء الحكمي والمنهجي الذي أسست له حركة الخوارج عبر التاريخ ولم يجرؤ عاقل فضلا عن مسلم أن يحمل الإسلام ذاته أو حملته المعتبرين تلك الأخطاء المنهجية والممارسات العملية. وإذا كان امتزاج الجهل مع النفسية الغالية يورث تلك المخاطر والمهالك فإن بعض الوسائل الإعلامية من قنوات ومواقع وغيرها حين تسعى لتكريس الأمية الشرعية والإزراء بالتدين وحملة العلم والفكر وتتفنن من خلال برامجها ومشاهدها في استنبات بيئة للغلو والجهل والتحريف من شأنها أن تخلق ردود فعل عكسية.. فإنها - شاءت أم أبت - تبوء بآثام تلك المخرجات وتتحمل جزءا من نتاجها المرة. وأمانة الكلمة وفقه المرحلة يحتم على صناع الرأي وحملة العلم والفكر أن يتوافروا على حماية الثوابت الشرعية والفكرية والمكتسبات الوطنية من خلال عطاءاتهم وأطروحاتهم وحضورهم الفاعل والمتجدد.

نسأل الله أن يحفظ علينا أمننا وإيماننا ويوفق ولاة أمورنا لما فيه الخير والصلاح وأن يقينا وإياهم وبلادنا كل شر ومكروه ويرزقنا الفقه والبصيرة في الدين ويكفينا كيد الكائدين وشر الأعداء والمتربصين.

* رئيس الجمعية العلمية السعودية للدراسات الفكرية المعاصرة - جامعة القصيم



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد