Al Jazirah NewsPaper Wednesday  02/09/2009 G Issue 13488
الاربعاء 12 رمضان 1430   العدد  13488
سعة الأفق.. مطلب أم مذهب؟
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

عندما تحدث فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان قبل أيام، راجيا من المشايخ وطلبة العلم: أن يحترموا آراء الآخرين، وألا يستعدوا الآخرين على من يخالفهم الرأي، ما دام في مجال الاجتهاد والأخذ والرد. يتبادر إلى الذهن جملة من المعاني، لعل من أهمها: أن لغة.....

.... استعداء الآخرين على من يخالفونك الرأي لم تعد مقنعة في عصر الحوار، وتعدد الآراء، واختلاف الثقافات.

كتبت ذات مرة، أن هناك من يمتلك قدرة إبداعية، وسعة أفق ملفتة للنظر في الحوار والطرح والنقاش، فتمتد المساحة أمامه لسبر أغوار الحقيقة، وبلوغ سقف الاطلاع، والرحابة في التفكير والتعبير وفق كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالفهم الصحيح.

إن التجرد للحق طريق إلى سعة الأفق، ولا يتأتى ذلك إلا عن طريق سماع ما لدى الآخرين، واحترام ما عندهم من آراء وأفكار. فبالحوار تتسع مدارك الإنسان، وقد تتباين الآراء دون أن نفتقد الود. أما الحوار مع من يتسلح بالعصمة، وأن رأيه هو الصواب، هو حوار فاشل، إذ إن العصمة تحجب صاحبها من المنهجية العلمية في التفكير. فالتأكيد على فرص الحوار هو أقرب إلى التحقق إن حضرت النوايا. وقديما قال عمر بن عبد العزيز: (إني وجدت لقاء الرجال تلقيحا لألبابهم). وقال الزهري: (العلم خزائن ومفاتيحها السؤال). وقال أبو أيوب السختياني: (إنك لا تعرف خطأ معلمك حتى تجالس غيره). وقال ابن خلدون: (على كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها).

ما أجمل أن ننتبه لمبدأ: (قولي صواب لا يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ لا يحتمل الصواب)، ولنا في قصة إسحاق بن راهويه الذي التقى بالشافعي في مكة لعظة، حين تناظرا حول مسائل عديدة، فرجع الشافعي إلى قول إسحاق في بعض المسائل، كما رجع إسحاق إلى قول الشافعي في مسائل أخرى.

إن من أبرز أسباب ضيق الأفق: الجهل، فهو داء عضال، إذ لا يستطيع الجاهل - حينئذ - قراءة الواقع. وقريب منه، قلة الفهم: حيث لا يصل إلى فهم معاني الأمور ومقاصده. وهو ما عبر عنه ابن القيم: (رب شخص يفهم من النص حكما أو حكمين، ويفهم منه الآخر مائة أو مائتين).

إن ضيق الأفق يؤدي إلى الانشغال بالجدل العقيم بدل العميق، وبسوء الظن عن حسن الظن. ولن نكون مستعدين مطلقا لتقبل آراء الغير المخالفة لآرائنا، لأن تلك الآراء لا تستحق النظر إليها، أو الاستماع لها. أما سعة الأفق فتؤدي إلى تقبل فكر الآخر، وعدم التحفظ على فكرة واحدة، رغم كثرة امتزاج الثقافات وتلونها، وكثرة المتغيرات والمعطيات.

ومما يسد منافذ التفكير- أيضاً -: التقليد الأعمى، خاصة عندما تكون دوافعه العصبية، أو المذهبية، أو الطائفية. فهو يحمل في داخله آثار ماحقة للكيان الإنساني، إضافة إلى عبثية العقل والتفكير، فتصدر الأحكام - حينئذ - من غير علم ولا وعي، فتضيع الحقيقة. وبالتالي، فإن تأسيس عمق منهجية التفكير أمر مطلوب، إذ لا عصمة لأحد، بل هو الاجتهاد بما يحمل من إصابة أو خطأ.

كم أسفنا على زمان مضى، ومللنا من ضيق العطن، لأن ما فات قد ضاع، وما لم يدرك لا يرجع، بسبب ضعف التجربة، فالتجربة أساس اتساع الأفق، وبعد النظر، وملازمة أصحابها سمة من سمات التصرف الواسع، والرؤية البعيدة في فهم الحقائق فهما سليما، حتى ولو بلغنا من السن عتيا، وحملنا مؤهلات علمية من هنا وهناك، فجميل أن نتقبل آراء الآخرين بكل رحابة صدر، ولا نجبرهم على الإذعان لآرائنا.



drsasq@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد