الطفلة الفلسطينية (لانا) كانت تعيش في الأراضي المحتلة وتعاني من مرض مستعص في القلب كانت نسبة شفائها منه ضئيلة للغاية، وقد نصح والدها من قبل عدة جهات طبية بعلاج ابنته في السعودية وبالتحديد في مستشفى الحرس الوطني لتقدم الطب هناك، عندها بدأ الأب رحلة أمل ورجاء طويلة مروراً بدولة الإمارات إلى أن استطاع الوصول بين يدي المختصين في مستشفى الحرس، حيث من الله على ابنته بالشفاء بعد أن كانت نسبة برؤها من المرض ضئيلة لا تتجاوز 5%.

الخبر نشرته جريدة الرياض وقد تزامن نشر هذا الخبر مع إعلان الإمارة الإسلامية في أحد مساجد غزة، وشلالات الدم التي تلت تلك الحادثة والأرواح التي أزهقت أثناء الاشتباكات بين تلك الجماعة ومنظمة حماس، والقلوب الشابة التي التهمها دود المقابر نتيجة لطفرة مزاجية لتنظيم جامح قد سخر أفراده كوقود لمحرقة عمياء عاجزة عن احترام الحياة كقيمة وكهدف.

أثناء الاعتداء الصهيوني على غزة قبل أشهر طغت حالة جيشان شعبي في العديد من الأوساط المحلية والعربية، تطمح إلى تجييش وتوريط العالم العربي للانزلاق في حرب مع إسرائيل استجابة للأجندة السياسية لمنظمة حماس، وقتها كانت تهم التخوين والمزايدات تطيش وتتطاير بكثافة وعلى كل المستويات، يهيمن عليها الانفعال بالطبع مع قصور في الوعي التكتيكي أو التخطيط الاستراتيجي القادر على قياس طبيعة المواجهة.

هذا القصور المزمن في الوعي العربي الذي يحاول أن يتجاهل الهوة الحضارية وميزان القوى بين الأطراف، ويستجير ببالونات الكلام لتحلق به في فضاء من الأخيلة والأحلام، يبقى مسيطراً على طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي.

فعندما عانى الشاعر الفلسطيني محمود درويش من مرضه الأخير، استجار بالولايات المتحدة للعلاج ومنح قلبه ليدي الجراح الأمريكي لعلاجه، وهو الذي قال في إحدى قصائده يوما ما ( أمريكا هي الطاعون. ..والطاعون أمريكا). وعندما رفضت السلطات الأمريكية منحه تأشيرة عبور، نشرت بعض وسائل الإعلام وقتها بأن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سعى للتوسط له لدخول الأراضي الأمريكية من خلال وزيرة الخارجية (كوندليزا رايس) إلى أن تمكن أخيراً من الوصول إلى مستشفى القلب الشهير في كليفلاند بأوهايو.

محمود درويش برأي الشخصي من أعظم شعراء العصر الحديث، ولا أسوق هذه الحادثة للتشفي من رمز أدبي شامخ، ولكنني على يقين بأن المأزق الحضاري الذي نعيشه كشعوب وكأفراد، يجعلنا أسرى ازدواجية تراوح بين عالمين عالم اللغة والإنشاء والعواطف المنفلتة من عقالها، وبين واقع يئن بل يعوي من قصور على مستوى حقوق الإنسان، وقيمة الفرد، والشفافية، والمناخ المستحث للتقدم الفكري وللإبداع الخلاق، وجميع مكونات الخلطة الحضارية التي يفتقدها الوطن العربي الكبير المنسدل من المحيط إلى المحيط.

وفي النهاية لا نستطيع الآن إلا أن نزرع وردة في غرفات قلب الطفلة لانا, فالطفولة وحدها تختزل بشارات المستقبل.