تعتمد كثير من أنظمة العمل أو التوظيف سواء كانت حكومية أو أهلية على عدة خيارات أو معايير لشغل وظائفها أو منح المزايا لموظفيها إلا أن (مبدأ الجدارة) كمعيار لشغل الوظائف بالتعيين أو الترقية أو النقل أو التعاقد أو التكليف ومنح المزايا الوظيفية كالبدلات والمكافآت.....
....أو عند التدريب في الداخل أو الخارج أو عند الإيفاد للدراسة بالداخل أو الابتعاث للدراسة بالخارج ونحو ذلك هو المعيار الأنسب والأشمل وهو بعكس المحسوبية التي يتم عن طريقها شغل الوظائف ومنح المزايا لأسباب لا صلة لها بمصلحة العمل، ومبدأ الجدارة وهو مبدأ مؤيد من الإسلام الحنيف الذي حذر من شغل الوظيفة العامة التي تُعرف في الإسلام (بالولاية) بأحد الأشخاص لأسباب غير موضوعية مع وجود شخص آخر أفضل منه في شغل الوظيفة، وقد اعتبر الإسلام ذلك من باب خيانة الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ومبدأ الجدارة مبدأ حديث ومنطقي ظهر في الغرب في نهاية القرن التاسع عشر بعد مراحل متعددة كان يتم فيها شغل الوظيفة العامة بالمحسوبية أو البيع أو الارث أو الهبة ومعيار الجدارة يحقق رغبة صاحب العمل سواء كان جهة حكومية أو مؤسسة أهلية الذي يبحث عن الشخص الذي يحقق أهدافه وبتميز عندما يشغل إحدى وظائفه فماذا يعني مبدأ الجدارة؟
الجدارة تعني مجموعة من العناصر والصفات تتعلق بالكفاءة الفنية والإدارية والانضباط في العمل وحسن التعامل والسلوك ونحو ذلك مما تقديره متروك لصاحب العمل، وبالتالي فإن شغل الوظائف ومنح مزاياها المادية ونحوها يتم بمن تتوفر لديه هذه الصفات.
إذاً فإن مجرد التأهيل العلمي لا يكفي للحكم بتوفر هذا المبدأ بل يفضل من لديه أيضاً خبرة عملية وإذا توفر الأمران فإن الانضباط في العمل بأن يحضر الموظف لعمله مع بداية الدوام ولا يخرج خلاله من دون موافقة رئيسه ولا ينصرف منه إلا بنهاية وقت الدوام وكذلك التحلي بالأخلاق الفاضلة مع رؤسائه وزملائه ومراجعيه والصبر على ضغوط العمل وإلحاح المراجعين هي من الأمور اللازمة لتكامل توفر مبدأ الجدارة.
وإذا كان عنصرا التأهيل العلمي والعملي يتبينان وقت التقدم لطلب الوظيفة مما يعني عدم التأكد من توفر مبدأ الجدارة فإن العناصر الأخرى كالانضباط في العمل وحسن التعامل بحكم أنهما محك أو أساس مبدأ الجدارة يتم التأكد من توافرهما والموظف على رأس العمل وخلال فترة التجربة لأنه مهما كان لدى طالب الوظيفة من مؤهلات علمية وعملية فإن ذلك لا يكفي للحكم بتوفر مبدأ الجدارة لديه بل إن الممارسة الفعلية للعمل في الميدان والتعامل مع الرؤساء والمراجعين والصبر على تكاثر العمل وإلحاح المراجعين يعتبر هو الأساس لتوفر هذا المبدأ من عدمه.
يقول الكاتبان الغربيان الدكتور (لايس سبنسر) والسيد (سيجان سبنسر) وهما ممن بحث من علماء الإدارة في الغرب في مبدأ الجدارة (أما أسلوب الجدارة في العمل فإن التحايل فيها يبدأ بالشخص وهو مباشر للوظيفة دون أي افتراضات مسبقة عن الخصائص المطلوبة للنجاح في العمل، ثم تحدد الخصائص الإنسانية التي ترتبط بالنجاح في العمل، وذلك انطلاقاً من مقابلات أحداث سلوكية مفتوحة للنهاية، فالجدارة هي خاصية ضمنية للشخص لها علاقة سببية بأداء متفوق فعّال يعد مرجعاً معيارياً للوظيفة، فالخاصية الضمنية تعني أن الجدارة عميقة ومتأصلة في شخصية الفرد بصورة كافية والعلاقات تعني أن بإمكان الجدارة أن تتسبب أو تتنبأ بالتصرف والأداء والمرجع المعياري يعني أن بإمكان الجدارة أن تتنبأ بالشخص الذي يجيد أو لا يجيد القيام بعمل معين، وذلك قياساً على معايير ومواصفات معينة) انتهى كلامهما.
من ناحية أخرى فإن ضرورة توفر مبدأ الجدارة في العامل أو الموظف سواء في بلادنا أو غيرها لا يقتصر فقط عند بداية الالتحاق بالوظيفة بل إن الموظف مطالب به طيلة حياته الوظيفية، وتحقيقاً لذلك فإنه ينبغي من الموظف ما يلي:
* أن يكون له تأثير واضح في عمله وأن يبني جسراً من الثقة مع المقربين منه سواء كانوا رسميين من رؤساء وزملاء أو مراجعين وهو ما يؤدي إلى ثقتهم في قدراته وهو أمر يتحقق بالتزام الموظف بواجباته وإحاطته بأنظمة عمله.
* أن يكون متفهماً للآخرين سواء من رؤسائه أو زملائه أو مراجعيه ومتعاطفاً معهم ومراعياً لأمزجتهم ومشاعرهم ومصغياً لهم.
يقول الكاتبان الغربيان سالفا الذكر حول ذلك (إن الفم المتدلي والعيون الحزينة يدلان على أن صاحبهما يعيش في أزمة، وعلى الموظف عندما يقوم أحد الأشخاص بمراجعته ممن تتوفر لديه هاتان الصفتان أخذ ذلك في الحسبان).
* ان يكون الموظف واثقاً بنفسه، وهذه الثقة بالطبع تأتي بسبب شعور الموظف أنه قام بالالتزامات المطالب بها وأنه محل تقدير رؤسائه ومراجعيه.
* ان يكون متحكماً في نفسه عند مواجهته الأزمات أو مشاكل العمل أو تكاثره أو نقد الرؤساء المراجعين، وهذا هو ما يُظهر معدن الرجال.
* ان يحرص على العمل الجماعي فالموظف الناجح هو الذي يستنير بآراء الآخرين حتى يكون عمله متكاملاً ونظامياً ويتمشى مع أهداف جهة عمله ومع مبدأ التعاون الذي يعتبر أحد مبادئ الإدارة المهمة.
* ان تتوفر لديه روح المبادرة وهي الذهاب إلى أبعد ما تتطلبه واجبات وظيفته، وذلك بطرح الأفكار والآراء التي تخدم مصلحة العمل وهو الأمر الذي سيسجل له كجهد إضافي يستفيد منه في كل المزايا الوظيفية وفي تقدير أدائه السنوي.
* ان يتوفر لديه عنصر الولاء لعمله وبالتالي لوطنه بحيث تكون تصرفاته في عمله منسجمة مع أهداف الجهة التي يعمل فيها وهو ما يساعدها بالتالي على تحقيق هذه الأهداف.
ويتم تفعيل هذا العنصر في بلادنا من حين لآخر عن طريق ما يصدر حول ضرورة حرص الموظف على الولاء لوظيفته وهو ما يؤكد أهمية هذا الواجب لأن الولاء للشيء دليل على محبته والإخلاص له وواجب الولاء للوظيفة وإن كان مطلوباً للوظائف العامة والخاصة إلا أن أهميته تتركز أكثر في الوظيفة العامة (الحكومية) بحكم أن هذه الوظيفة تهدف إلى تقديم خدمة عامة تهم الوطن أو المواطن وينبغي أن تكون هذه الخدمة في أرقى المستويات.
كما ان بلادنا اهتمت بمبدأ الجدارة في شغل الوظائف فقد أوردت أنظمتنا الوظيفية هذا المبدأ وأكدت ضرورة تطبيقه والعمل به، منذ التعليمات الأساسية للدولة التي صدرت سنة 1345هـ التي تضمنت قسماً خاصاً بالموظفين ورد فيه ضرورة توفر هذا المبدأ فيمن يرغب الالتحاق بالوظيفة العامة والذي عبّر عنه في هذه التعليمات بشرط الأهلية والاقتدار ثم إقرار الإعلان عن الوظائف المطلوب شغلها والمفاضلة عليها عن طريق المقابلة في نظام المأمورين الصادر سنة 1350هـ ثم إقرار إجراء المسابقة لشغل الوظائف العامة وإقرار سنة التجربة للتأكد من صلاحية الشخص المعين للخدمة العامة في نظام الموظفين الصادر سنة 1364هـ وتأكيد ذلك في نظام الموظفين الصادر سنة 1377هـ، ثم النص صراحة على مبدأ الجدارة في شغل الوظائف العامة في نظام الموظفين الصادر سنة 1391هـ ثم النظام المعمول به حتى تاريخه وهو نظام الخدمة المدنية الصادر سنة 1397هـ، فالوظائف العامة مثلاً لا تشغل إلا بصورة مركزية ضماناً للنزاهة في أساليب شغل الوظائف، كما أن شغل الوظائف يتم حسب معايير محددة كالمسابقة أو المفاضلة أو المقابلة والتي من شأنها ضمان العدالة والمساواة وإتاحة الفرص الوظيفية للجميع.
كما انه في بلادنا تصدر التعليمات تلو التعليمات التي تحث الموظفين على الإخلاص والانضباط في العمل وتطالب الأجهزة الإدارية بمتابعة ذلك مع قصر المزايا الوظيفية كالترقية والتدريب والابتعاث والانتداب ونحو ذلك على المجدين وذوي الكفاءة في العمل، ذلك أن الموظف الذي يحافظ على وقت الدوام وينجز عمله بالدقة والأمانة والإخلاص ويحسن التعامل مع رؤسائه وزملائه والمراجعين لا يمكن أن يكون والموظف الذي لا يتقيد بذلك أو يقصر فيه بدرجة واحدة.
Asunaidi@mes.gov.sa