هذه النبضات الخفية التي تتجول في الصدور منذ أن يقترب, والذاكرة التي تنفرج عن كل غائب وبعيد وقريب لتحضرهم بين العينين، ورائحة الطبق الواحد الذي يعد للأكثر، والإضاءة المهملة في الزوايا التي تنبعث بوهجها فلا تختفي الأبعاد ولا الزوايا، والأبواب المشرعة للعائدين، والأصوات المندسة في الجوف، والجوارح الملتفة بستر الصمت.. والجباه المشرقة بفرحة كينونته التي تحتوي، ولياليه التي تتلألأ، ونهاراته التي تستقطب..
كل هذا مدرسة لا تفتح فصولها، وتبسط أديمها، وتشعل نجومها، وتطلق روافد نهرها، وتسح غيماتها إلا حين يكون..
هذا الرمضان تترمض فيه نزعات غالبة على أمر البشرية في الإنسان خارج هذه المدرسة، وفيه خاضعة لدروسه، مصغية لحكمه، ممتثلة لأفعاله، منتبهة لأقواله.. ملتهمة لكل لمحة ثانية من ثوانيه، أو منحة من عطاءاته..
ثلاثون يوما.. يتلقى المرء في كل يوم ثلاثين وأكثر من الدروس فيه..
الكبير الذي عرفه وترقى في مراتب الأخذ عنه وفيه، يزداد فيثري، والصغير الذي يدخله خاويا وجلا، يحتاج لمن يأخذ بيده نحو فصول رمضان في مدرسته الشاسعة..
سنشرع معه، مع هذا الصغير لنتابعه في مدرسة رمضان..
وكل رمضان وأنتم بخير، قادرون على ولوج مدرسته لا يغلق بابها إلا بعد أن تنالوا جوائزكم.