شتات في التفكير.. وتفكير في الضياع.. جيل لا يحمل هماً.. وهم هو كل ما يحمله الجيل.. بالأمس كنا نتحدث عن هوية مفقودة، واليوم نتحسر على فقدان هوية الأمس..! نبكي على الأمس، ونسخط من اليوم.. وغداً ماذا سيقول جيل اليوم..؟ مع الأبناء والبنات يحتار العاقل كيف يدير دفة الحوار مع جيل تمرد بكل ما تعنيه الكلمة واستصغر كل ما كنا نراه كبيراً جميلاً، وسفه أحلام الآباء والأمهات.
يضحكون ملء أفواههم من ماض تليد جميل ويرون أنه تعيس حسير..!
ويتشدقون بحضارة صاخبة خاسرة هي في الدرك الأسفل إسفافاً وخنوعاً وسخفاً.
يأتيك متشدقاً بمصطلح أجنبي هو كل ما يملك من ثقافة.. وينهرك من باب حرية التعبير بعبارة أقل ما يقال عنها إنها نتاج هذه الحضارة التي خلعت جلباب الحياء ولبست (جنز) الميوعة وقلة الحياء.
حالات كثيرة لا يمكن أن يحصرها مقال، بل نخجل من ذكر بعضها ببيان.
بالأمس كان التقدير للكبير والرحمة للصغير، واليوم فقد الصغير الرحمة وبكى الكبير على التقدير، بل تطاول بعض الأقزام على العمالقة في العلم والثقافة والأدب، وهم كل منحط بتلك القامات الفارعة الفارهة ثراء معرفي لا يقبل انصاف الحديث، فجالوا وصالوا وأحدثوا جلبة هي في الحقيقة كما غثاء السيل، لكنها بلاشك تساهم في تأخير عجلة النمو والتطور للبلاد.
في سني عمري الأولى أتذكر أننا كنا إذا تجاوزنا المرحلة الثالثة الابتدائية دخلنا منعطفاً آخر في حياتنا التعليمية وملكنا من أدوات المعرفة الشيء الكثير، واليوم يتجاوز المرحلة الثانوية وهو لا يملك أكثر من شهادة قد تكون متفوقة على الجيل السابق رقماً ولكنها للأسف لا تتجاوز أن تكون ورقة بلا مدلول علمي.
لك أن تسأل أي شاب على أبواب الجامعة أي سؤال تاريخي أو ثقافي أو ديني أو ما شئت من الأسئلة البسيطة ليصدمك بإجابة مخزية تدل على خواء ما بعده خواء.
إنني لا أطالب بتخريج جيل مثقف بما تعنيه مدلولات الكلمة، فأنا من أشد المؤمنين بأهمية التخصص، ولكني أطالب بتنشئة صالحة لجيل ينتمي للغة ثرية وقبلها دين عظيم، يحمل في كل علومه ثقافة متشابكة لا يمكن فصلها عن بعض.
إن القضية ليست من وجهة نظري قضية المدرسة وحدها ولا قضية البيت وإنما قضية المجتمع بأسره، قضية رجال التربية ورجال السياسة بل ورجال الاقتصاد، أدوار يتحملها الجميع دون فصل بين هذا وذاك.
almajd858@hotmail.com