أمٌ فاضلةٌ وسيدة كريمة ولكنها للأسف كانت تتعامل مع بناتها بقسوة بالغة وتسلُّط مخيف. تحدثت معها عن أهمية الرفق في التعامل مع الأولاد واللين في معاملاتهم وخصوصاً (البنات) وضرورة استخدام سياسة (القلب الرحيم واللسان الهادئ) فردت عليّ بكل جراءة وثقة:
|
(خلها تطلع حرمة)!!... ماذا!...
|
(حرمة) بالإهانات! لم أتخيل وجود مثل هذه العقليات في مجتمعنا!
|
لو أحالت الأمر لعصبيتها وسرعة انفعالها لهان الأمر!
|
أما أن يعتقد أنّ هذا هو الأسلوب الأمثل للتربية فهنا المصيبة!
|
هل ستكون زوجة صالحة بالشتائم!؟
|
هل ينتظر أن تُصبح متميزة في شخصيتها ودراستها بالتحطيم!؟
|
عشرات الرسائل والاتصالات تصلني تنضح بالشكوى وتئن من قسوة الآباء والأمهات.
|
هل يُصدق أن أباً يتفنن في تحطيم ولده وكسر شخصيته؟!
|
هل يعقل أن أماً لا تفتأ تكسر قلوب بناتها وتدفن طموحهن!؟
|
آباءٌ وأمهات يجتهدون في إطلاق الألقاب السيئة والبشعة على أولادهم وبناتهم (الغبي - الأبله - الرفله - أنت ما منك فايدة.. أنت من بيتزوجك! والله ما راح تفلح)..!
|
وغيرها من عبارات قاتلة وجُمل تقطر سماً..
|
ألفاظ لو أُطلقت على الجبل الأشم لعاد إسفنجاً رخواً!
|
ولو أسمعت للصقور الكواسر لاستحالت بغاثاً جباناً!
|
في دورة ألقيتها في إحدى كليات البنات، تحدّثت طالبة بحديث هز كياني قالت: لا نريدهم (تقصد أهلها) يشجعون باليتهم يكفونا شرهم!
|
من غرَّ هؤلاء الآباء وسمّم أفكارهم وأقنعهم بأنّ (التحطيم والإذلال) سيصنع أبناء نافعين أسوياء؟!
|
قهرٌ دائم ونقد مستمر وعدٌّ للزلات واستغراقٌ في الملاحظات وتضخيمٌ للأخطاء (وتعظم المصيبة إذا كان هذا أمام الناس) وتجاهلٌ للإنجازات حتى يظن الولد نفسه بعد هذه الأساليب (السقيمة) كتلة من الأخطاء ومنظومة من الفشل.. وقد استشرف العالِم العظيم ابن خلدون مستقبل تلك التصرفات بقوله: (من كان مرباه بالعسف والقهر سطا به القهر ودعاه إلى الكسل وحمله على الكذب وعلّمه المكر والخديعة وفسدت معاني الإنسانية عنده)..
|
فيا حسرتا على قلوب غضة اغتيلت..
|
وعلى ورود نضِرةٍ سحقت.. وعلى أرواحٍ شفافة عذبت..
|
وفي هذا أكدت الدراسات أن الصغير يتشكّل بحسب الإطار الذي وضع فيه، فإذا قيل له: (أنت قليل الأدب) أحس بالدناءة وخساسة النفس وأخذ يتلمّس التصرفات التي تضعه في حمى هذا اللقب، خصوصا أن الصغار يقطعون بصحة أحكام الكبار خاصة والديهم ومعلميهم!
|
وفي المقابل لو كرر على مسامع الصغير جملة: (يا ذكي)، لأخذ في تحسس زوايا الذكاء وتتبع خطواتها ليثبت أنه ذكي.
|
هل سمعتم بالدكتور العبقري أحمد زويل؟
|
لم يولد وقد طبع على جبينه أنه سيكون عالماً فذاً!
|
كان كأولادنا ولكنه وُهب أُمّاً حكيمة عاقلة!
|
كانت تسمِّيه الدكتور أحمد وهو لم يتجاوز السادسة! وقد أصبح كذلك!
|
|
وختاماً أيها الوالدان، لا يشك عاقل في حبكما لأبنائكما وشفقتكما عليهم؛ فأنتما كما وصفكما شوقي (هذان في الدنيا هما الرحماء) ولكن حسن النوايا لا يكفي، حيث إن للتربية أساليب وفنوناً، وما كان يصلح لزمان فلا يصلح لغيره، عليكما باللين والرفق وإن استدعى الأمر فعليكما بالحزم بحب وتعاطف، داوما على تشجيع أولادكما والثناء على ما حسُن من تصرفاتهم وجمُل من طباعهم، تلمّسا مواطن القوة في شخصياتهم، ساعداهم على تحقيق أحلامهم بالتحفيز والكلمة الطيبة، وحاولا أن تقعا على جميل أفعالهم ورائع سلوكياتهم؛ فهذا يغري بمضاعفة الجهود ويصنع شخصيات متزنة سوية، وانتبها فرُبَّ كلمة واحدة مفعمة بالعطف والحنان والتشجيع لأولادكما تغيِّر مجرى حياتهم وتدفع بهم إلى النجاح.
|
|
|
ربما تكسر عصاك عظامي.. |
ولكنَّ كلماتك سوف تجرحني للأبد |
|
|