Al Jazirah NewsPaper Thursday  20/08/2009 G Issue 13475
الخميس 29 شعبان 1430   العدد  13475
بعد حصوله على تقديرية الآداب في مصر:
د. جابر عصفور: الآخر ليس عدواً على الإطلاق

 

القاهرة - مكتبالجزيرة- أحمد عزمي:

من يلقي نظرة على المشهد الثقافي العربي لابد أن يرى بوضوح قامة د. جابر عصفور في الصفوف الأولى، فهو صاحب مشروع نقدي يحمل في طياته الكثير من الرؤى الجديدة، التي عبر عنها من خلال التأليف والترجمة. وبخلاف النقد الذي يعد مشروعه الخاص هناك إنجازه على مستوى العمل العام، حيث تولى أمانة المجلس الأعلى للثقافة في مصر لمدة أربعة عشر عاماً، استطاع خلالها كسر العزلة الثقافية بين مصر والعالم العربي، خصوصاً بعد سنوات القطيعة التي أعقبت توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

د. جابر عصفور يتولى حالياً رئاسة المركز القومي للترجمة بمصر، وقد حصل على عدة جوائز عربية آخرها جائزة الدولة التقديرية في الآداب بمصر.. وهنا حوار معه..

* حصلت على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، فكيف ترى ذلك الأمر؟ هل تأخرت كثيراً؟

- كان من الصعب أن أحصل على الجائزة، حين كنت أعمل لسنوات في المجلس الأعلى للثقافة، على هذا الأساس لم تتأخر الجائزة، فلا يعقل أن أفوز بجائزة أنا المسئول عنها.

وأرى أن الجائزة تتويج لرحلة من العطاء المتواصل، من جانب المؤسسة الثقافية الرسمية في مصر، وقد أصابتني هزة وجدانية من قبل العاملين البسطاء بالمجلس حين انطلقت زغاريدهم فور الإعلان عن اسمي فائزاً بالجائزة، هذا الحب الذي غمروني به أهم عندي من أية جائزة.

* لماذا ربط كثيرون بين إعلانك ترجمة كتب عبرية من خلال المركز القومي للترجمة وحملة ترشيح فاروق حسني وزير الثقافة لمنصب أمين عام منظمة اليونسكو؟

- هذا الربط غير صحيح، فخطة ترجمة الأدب العبري بدأت منذ العام 2000، ولم يكن ترشيح فاروق حسني لليونسكو مطروحاً في ذلك الوقت، وإذا كنا قد ترجمنا بعض الكتب العبرية، فهذا من باب (اعرف عدوك) وليس من باب التطبيع، حيث ترجمنا (حكايات اليهود) و(تحديات ما بعد الصهيونية) وغير ذلك من كتب، وكل هذه الترجمات جاءت عبر لغة وسيطة، كالانجليزية أو الفرنسية، ولم نترجم عن العبرية مباشرة، حتى لا نضطر للتعامل مع ناشرين إسرائيليين، وهذا هو التطبيع في رأيي.

* لكن المركز القومي للترجمة يرفض نشر ترجمات عن لغات وسيطة؟

- هذا شرط وضعناه كأساس للترجمة، لكن الضرورات تبيح المحظورات، وقد ارتكبت أخف الضررين، حتى لا نقع في شرك التطبيع، كما أننا اعتمدنا من قبل على لغة وسيطة في ترجمة الأدب الياباني، فلفترات طويلة لم يكن لدينا متخصصون بالقدر الكافي، يجيدون اللغة اليابانية، وسنظل نترجم الأدب العبري عن لغة وسطية إلى أن تحل مشكلة الصراع العربي - الإسرائيلي، وتعود فلسطين إلى أصحابها، من خلال السلام الشامل والعادل.

* وما معايير اختيارك للترجمات العبرية؟

- لابد أن تكون كتابة منصفة ومحايدة في رؤيتها للأمور الجارية في الشرق الأوسط، مع ضرورة كتابة مقدمة إضافية، تشرح الكتاب، وتعلق على مضمونة، وضرورة استقدام هذه الكتب من ناشرين غربيين، لأنني لا أريد الحصول على إذن نشر من ناشر إسرائيلي.

* لماذا هاجمت المشروع الفكري للدكتور حسن حنفي في كتابك (النقد والهوية الثقافية)؟

- هاجمت د. حسن حنفي بسبب كتابته عن الاستغراب، وتصوره الساذج عن الآخر، حيث افترض أن الآخر هو عدو على الإطلاق، ويرى أنه قد آن الأوان لنثأر منه بالكتابة المضادة عنه، وتحولت كتابته إلى نوع من الخطابات الإنشائية التي لا تتوافق مع النقلة الحضارية الهائلة.

والصحيح أنه ينبغي أن تعرف الآخر معرفة جيدة، حتى تستطيع التعامل معه، كما أن هذا الآخر لم يعد كتلة صماء، حتى ما نسميه بلداناً معادية، نرى فيها مفكرين منصفين، فإذا عاملنا هذه البلدان بمنظومة فكرية موحدة سنخلط الحق بالباطل، وفي الحقيقة أنت تضر نفسك أكثر مما تلحق الضرر بالآخر، الذي تصوره د. حسن حنفي.

* وما العلاقة بين النقد والهوية الثقافية؟

- لابد أن يعبر النقد عن هوية المجتمع، لأن النقد يتشكل من خلال الإبداع، الذي يطرح مشكلات هذا المجتمع، والنقد بهذا الشكل منغمس في سؤال الهوية، حيث يقوم بتحليل الهوية ثقافياً، من ناحية مكوناتها وعناصرها وجوانبها السلبية والإيجابية.

* هنا من يرى أن الإبداع العربي تقدم كثيراً على النقد وتجاوزه.. فما تقييمك لهذا الأمر؟

- أتفق مع هذا الرأي، فالإبداع تجاوز النقد كثيراً، بدليل أن الإبداع العربي وصل إلى جائزة نوبل، خصوصاً جنس الرواية، بعد أن حصل نجيب محفوظ على تلك الجائزة عام 1988م. أما النقد العربي فلم يصل إلى المستوى العالمي بعد، لأن النقاد العرب يحاولون تمثيل وترجمة النظريات النقدية الغربية دون إضافة ملموسة لها.

* هل هناك في الأفق بوادر لظهور نظرية نقدية عربية؟

- السؤال عن أهمية وجود نظرية نقدية عربية هو سؤال أيديولوجي، وليس علميا، لان العلم والإبداع لا ينسبان إلى أمة بعينها، وإنما النظرية هي مجموعة من الإسهامات والخطابات المختلفة التي تبلور في النهاية شكل هذه النظرية، والمطلوب من العرب ليس إيجاد نظرية نقدية عربية خاصة بهم، وإنما المطلوب منهم الإسهام في النظريات النقدية الموجودة، لأنك لو تكلمت عن ضرورة وجود نظرية نقدية عربية سيكون ذلك كلاما أيديولوجيا، وليس علميا.

* لكن هناك الشكلانية الروسية والمدرسة الألمانية في النقد أو فرانكفورت، وكذلك النقد الأمريكي الجديد؟

- الشكلانية الروسية ازدهرت في مرحلة معينه، ثم تلقفتها المذاهب الأوروبية، وأضافت إليها وطورتها، والمدرسة الألمانية خضعت إلي نظرية الانتقال العادي، فانتقلت إلى البلدان المجاورة، مثل فرنسا وانجلترا، ومنها إلي أمريكا فلا يشترط أن تحمل نظرية ما اسم هذا البلد أو ذاك، فالنظرية تنسب إلي بلد ما علي سبيل المجاز وليس الحقيقة.

* لماذا تفضل (الأيام) لطه حسين علي رواية (سارة) لعباس محمود العقاد؟

- رواية (سارة) تفتقد إلي المقومات الفنية، فلا توجد حبكة درامية، ولا صراع بين الأبطال، ولا يحدث تطور في شخصية البطل، الذي يريد أن ينتقم من محبوبته طوال الوقت.

أما بطل (الأيام) وهي سيرة ذاتية وليست رواية، فهو فتى تحدي المرض والفقر متسلحا بالصبر والعزيمة، حتى استبدل الصحة بالمرض والغني بالفقر، ف (الأيام) ملحمة من التحدي والإصرار علي بلوغ النجاح.

* لماذا تعلق صورتي طه حسين ونجيب محفوظ علي أحد جدران مكتبك؟

- لان هذين الاسمين أهم رمزين في الثقافة العربية الحديثة، فطه حسين يعتبر رائد الاستنارة والفكر العقلاني ونجيب محفوظ قاد الإبداع العربي إلى العالمية، وإذا اقترحت علي اسمين آخرين، أضافا أكثر منهما إلى الثقافة العربية، سأعلق صورهما علي الفور.

* هناك من يري أن دور مصر الثقافي تراجع في الآونة الأخيرة فكيف تري ذلك؟

- هناك تراجع نسبي في الدور الثقافي المصري نتيجة أشياء كثيرة، وظهرت دول عربية تنافسنا في هذا الدور، ففي الماضي كنا نصدر الكتاب والفيلم والمسلسل التلفزيوني تراجعنا عن ذلك، وإذا لم نفق سنصبح في المؤخرة، وينبغي ألا نغفل التطور التقني في الوسائل الثقافية في العالم العربي، وخاصة دول الخليج التي تنتج دراما مميزة، بفضل توافر رؤوس الأموال الضخمة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد