نشرت صحيفة الجزيرة في العدد رقم (13416) خبراً عن مهاجمة مرض أبو غبير نخيل محافظة شقراء، الذي هو عبارة عن حشرات صغيرة تقوم بإفراز مادة سائلة على ثمرة النخيل، هذه المادة تمكنها من امتصاص السوائل الموجودة في الثمرة؛ فيؤدي ذلك إلى جفافها وتيبُّسها، كما أن هذه المادة السائلة تتسبب في تجمع الغبار والتصاقه بالثمرة؛ ما يؤدي إلى تكوُّن مادة تشابه بيت العنكبوت حول عنق النخلة، ويكون نتيجة ذلك رداءة محصول التمور؛ نظرا إلى جفافه وعدم مناسبته للاستهلاك الآدمي. والسبب الذي دعاني إلى التعقيب على هذا الخبر هو أنني كنت مع مجموعة من المزارعين في محافظة الحوطة، وكانوا يشتكون من انتشار سوسة النخيل في مزارعهم، والمشكلة أن بعضاً ممن كان يتحدث كان ينقصه الوعي؛ حيث كان أحدهم يؤكد للبقية ضرورة التخلُّص من السطل الذي به المادة الكيميائية التي يضعها العاملون بفرع وزارة الزراعة بالمحافظة في المزارع في حال الاشتباه بوجود سوسة النخيل، ويضعونها أيضاً بعد تنظيف المزرعة من السوسة من أجل حمايتها من الإصابة مجدداً، وكان ذلك الشخص يجزم بأن ذلك السطل لا يقضي على السوسة بل هو الذي يأتي بها إلى المزرعة من أماكن بعيدة تصل لأربعمائة متر بعد أن تشم السوسة رائحة المادة الكيميائية التي في السطل فلا تقربه ولكنها تقضي على النخيل. وكان آخر يعترض على ما يردده ذلك الشخص ويؤكد أهمية السطل على اعتبار أنه كعينة التحليل في المستشفيات البشرية التي تؤكد أو تنفي المرض، كما أنه كالمضاد الحيوي الذي يقتل الجراثيم والميكروبات في الجسم البشري، ولكن كان صوت ذلك الشخص هو الأعلى فأقنع الآخرين برأيه. ووجود مثل هؤلاء الأشخاص يفسد جهود الوزارة في القضاء على سوسة النخيل في المحافظة التي انتشرت بصورة كبيرة بسبب غياب الوعي لدى البعض؛ حيث أتذكر قبل سنوات أن البعض من المزارعين في المحافظة كان يتفاخر بأنه استطاع الإفلات من نقاط التفتيش الحكومية التي كانت تلزم المزارعين الذين ينقلون فصائل النخيل بين المحافظات بشهادة خلو فسائلهم من الأمراض، والنتيجة أنهم الآن يعضون أصابع الندم بعد أن أُصيبت جميع نخيلهم بالسوسة فخسروا المال ونخيلهم ونالوا الدعاء عليهم من الآخرين الذين ألحقوا بهم وبمزارعهم الضر دون أن يكون لهم ذنب.
بل وحتى ندرك مدى خطورة غياب الوعي الذي يعيشه بعض هؤلاء المزارعين فإننا نجد بعضهم لا يزالون يرفضون الاعتراف بإصابة نخيلهم بالسوسة؛ حيث يحرصون على ألا يعرف جيرانهم بذلك حتى لا ينتشر الخبر بين الناس في المحافظة، ويحاولون بطرق بدائية القضاء على السوسة، ولكنهم اكتشفوا متأخرين أن السوسة انتشرت في مزارعهم وفي المزارع المجاورة لهم، وهم بهذا التصرف ظلموا أنفسهم وظلموا أصحاب المزارع القريبة منهم مرة أخرى.
وحقيقة أتمنى من وزارة الزراعة أن تنظّم حملة توعوية في المحافظة كالتي قامت بها في منطقة الأحساء عن سوسة النخيل الحمراء؛ لأن هذه السوسة بدأت تنتشر بقوة في نخيل المحافظة، وإذا لم يتم مكافحتها من خلال تغيير أفكار ومفاهيم المزارعين، ومن خلال تعليمهم الطرق الصحيحة للوقاية منها وكيفية مكافحتها ومن خلال زيادة عدد الفريق العامل بالمحافظة، فإنها ستنتشر في المحافظة وتنتقل بعد ذلك إلى المحافظات القريبة منها، كما أن الاستفادة من تجارب المزارعين في محافظة الأحساء ضرورية لمكافحة هذه السوسة؛ حيث أخبرني أحدهم أن من وسائل المكافحة التي قام بها مزارعو الأحساء أنهم يقومون بعملية تكريب النخيل بطريقة خاصة عرفت بهم، وهي تعتمد على قص معظم أجزاء الجريد سنوياً وإزالة الليف حتى لا تجد السوسة مكاناً في جذع النخلة تعيش أو تختبئ فيه.
ومن وجهة نظري أن سبل القضاء أو تقليل أخطار هذه السوسة تبدأ من وزارة الزراعة نفسها التي عليها أن توضح للمزارعين عبر وسائل الإعلام وفروعها المنتشرة بالمحافظات أهمية الإجراءات التي تقوم بها وأهمية السطل - على سبيل المثال - الذي يضعه الفريق المعالج في المزارع المصابة؛ فهذا السطل الغالبية يجهل أهميته مع أنني قرأت أنه يعتبر واحداً من أهم سبل مكافحة سوسة النخيل؛ حيث يحتوي على الأجزاء المفضلة للسوسة؛ حيث يحتوي على مبيد حشري مغمور فيه قطع من جذع النخلة أو قصب السكر فيقتلها بمجرد انغماسها فيه.
ومن المعلومات التي أجزم بأن الكثير من المزارعين في المحافظة يجهلونها ويحتاجون لمن يؤكدها لهم أن حرق جذع النخلة المصابة بالسوسة لا يكفي، بل لا بد من تقطيع الجذع لأجزاء صغيرة ثم حرقه حتى نضمن وصول النار إلى داخل الجذع فتموت جميع البيوض واليرقات التي تعيش داخله، وللأسف أن ما أراه من المزارعين في المحافظة هو قيامهم بحرق الجذع فقط دون فعل أي شيء آخر.
وأخيراً أتمنى من المسؤولين النظر في مسألة مزارع النخيل المهملة في المحافظة الذي ماتت واقفة بسبب قلة المياه أو انعدامها في المزرعة؛ حيث حسب ما عرفت أن سوسة النخيل تستطيع العيش داخل جذوع هذه النخيل لتكون هذه المزارع المهجورة بمثابة معامل تفريخ للسوسة تنطلق بعدها لغزو المزارع المجاورة.
وأختم بملاحظة صغيرة؛ حيث وصلني أن هناك كرسي بحث في جامعة الملك سعود لمكافحة سوسة النخل، مهمته التدريب وتقديم الاستشارات والمعلومات والطرق المناسبة لمكافحة هذه السوسة سواء كانت بشرية أو مادية أو بحثية والتعاون مع وزارة الزراعة ومراكز الأبحاث العالمية في هذا المجال، ولكن ما الذي يمنع القائمين على هذا المركز من زيارة أي مدينة أو قرية تشتكي من سوسة النخيل لتقديم الاستشارات عن قرب والإجابة عن استفسارات المزارعين الذين يحتاجون إلى من يقدم لهم المعلومة الصحيحة التي تجعلهم يلتزمون بالطرق العلمية لمكافحة السوسة.
علي بن زيد القرون - حوطة بني تميم