Al Jazirah NewsPaper Wednesday  19/08/2009 G Issue 13474
الاربعاء 28 شعبان 1430   العدد  13474
لا يُحجِّر واسعاً

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:

أتابع بشغف على قلة ما يكتب، وكثرة ما يحسن أديبنا محمد بن عبدالله الحمدان (مكتبة قيس) ولم يذكر ولو مرة عنوان مراسلتها -عتب على السريع- فإذا عنوانه المكرر تتابعاً كعادته الجميلة (أكثر من موضوع) في صفحة الرأي - عدد 13461، وقد تطرق به مقولة مفردة (يرحمه الله) ثم أشار إلى الصواب مقابلها ب: (رحمه الله) ولي -على قوله.. هذا- تنبيه، ولا أقول (تعقيب):

لأني قد استغربت مبتدأً تخطئته لذلك و(لا.. تحجير لواسع) -حال فاعله- لأن الجملة هذه تأتي على وجهين: الخبر مع الرجاء، والأخرى الدعاء، وإن كانت -وهذا ما أذهب إليه- أنها من باب الدعاء أولى - أي: إن شاء الله أن يكون قد شملته رحمة الله بحقول: رحمة الله عليه.

ثم.. ليعلم حفظ الله الجميع أن جملة (يرحمه الله) أفضل، ولو من باب الإخبار - عن حال المذكور (أنه آل بحالٍ إلى عداد الموتى على الأقل، وإخواننا بمصر يقولون (لا يجوز على الميت إلا الرحمة).. من هذا القبيل هذا يأتي الإخبار، وهذا تمهيد للتالي:

كنت أزمع الكتابة عن هذا الملحظ بمادة مفردة وإن أشرت إليها في مواضع من كتاباتي، بخاصة حين عقب أحدهم عليّ تخطئة مقولة (يرحمه الله) أو أرشد إلى أن الصواب (رحمه الله)!

أولاً: قال تعالى: (يغفر الله لكم).

ثانياً: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نشمت العاطس ب (يرحمكم الله).

ثالثاً: قال محمد ابن سيرين:

سار (اليسيري) إلى ربه

يرحمنا الله وإياه

رابعاً: شواهد ذلك عند العرب كثيرة، قالت عاتكة بنت زيد ترثي عمر رضي الله عنه:

جسدٌ كفف في أكفانه

رحمة الله على ذاك الجسد

وذلك من النظر أن الأصل في الدعاء، يكون بصيغة الأمر، لكنه خرج عن ذلك لغرض بلاغي، كما مثلنا أعلاه، وكتحية الإسلام: السلام عليكم.

وهذا الأصل، أما إذا جاء على صيغة الماضي فإنما يكون تفاؤلاً ورجاءً أن يلقى ذلك لا أن ينزل الماضي منزلة المستقبل ثقة بتحققه وتصديقاً له، قال تعالى: (ونفخ في الصور)، وأما إذا جاء على صيغة المضارع فإنما ذلك كما فصل أهل الفضل بأحد وجهين:

أحدهما أن نجعل المضارع والأعلى الزمن المستقبل، كما قال تعالى: (يُعَذِّبُُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء) فيكون بمنزلة ما لحقت أداة التسويف، كأنك قلت: يرحمك الله.. ليس تحقيقاً ولكن تفاؤلاً وطمعاً.

والآخر: أن نجعل المضارع والأعلى الحال، لأن المضارع طابقاً على الزمانين فيكون هذا من باب الحكاية، كما قال تعالى: (وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) والله أعلم.

وذهب آخرون إلى أن قولك: (رحمه الله) من باب الجزم فإنه لا يجوز بل ينسحب عليها ما قرب له البخاري - يرحمه الله - في تبويبه: (لا يقال فلان شهيد) لأن هذا ينضوي تحت (إدعاء علم الغيب) وإن كنا نعلم أنه تحت رحمة الله، كما قال تعالى على لسان عيسى: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) بمقام: تطلب طلباً فيكون قائله لك قد حققه لك تيمناً.

وهذا مزلق خطير، فإن إدعاء علم الغيب -كما نعلم- من رؤوس الطواغيات، لكن إن أتى مرام قائلها من باب الخبر- أي: أن فلان مات، ونرجو له الرحمة، أو بين يدي رحمة الله سبحانه وتعالى، ومن باب الإعلام أنه مات ولا يجوز عليه إلا الرحمة (أي: بدعاء الرحمة له) بشرط عدم الجزم بذلك تقصداً في اللفظ. والله أعلم.

فإن كان له أي (الحمدان).. بعدها: على قولنا صول فليدلي بدلو، بمرّه وحلوه.

عبدالمحسن بن علي المطلق


mohsnali@yohoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد