Al Jazirah NewsPaper Saturday  15/08/2009 G Issue 13470
السبت 24 شعبان 1430   العدد  13470
(موطن الشجعان) تهدئة للأمريكيين وتبرير للاحتلال وقتل للتاريخ

 

كتب -محمد الحبيب

رجل يحمل كلبا ميتا يدخل على أزقة بيوتها من طين وأخرى قيد التعمير يضع الكلب على زاوية الشارع وفي منتصف الفيلم يفجر أحد الأطفال هذا الكلب عند مرور عربة أمريكية بجانبه.

بداية فيلم home of the brave أو موطن الشجعان هو صورة لأزمة الجنود الأمريكان (الطيبين) في الأراضي العراقية فهي معاناة لتحرير وطن يعاني من الإرهاب وليس للإبادة، أزمة أمريكية وليست أزمة عراقية، فالولايات المتحدة هي من تخسر البشر والمال وكأن لسان المخرج irwin winkler (آريان وينكر) يقول: (اعمل خيرا شرا تلقى) أو (ارمي في البحر) ومع ذلك نحن مستعدون لمساعدة دول العالم.

يعالج الفيلم من وجهة نظر المخرج مسألتين؛ الأولى طيبة الجنود ومساعداتهم والقتل المبرر، والثانية تأثر هؤلاء نفسيا وجسديا، لتعرف أنك أمام بربرية ومجرمين عرب فالبيوت الطينية والأغنام المنتشرة تدل على أن القوات لم تدمر شيئا بل هي بالأساس كذلك صحراء عارمة (وما أدرى الشعب الأمريكي بغير ذلك) إضافة إلى الوحشية التي تجعل كلبا يفَخخ إنهم حقا مجرمون.

إذا كنت قاضياً على مشكلة ما فمن الضروري أن تعرف أقوال المتهمين من الطرفين فما بالك أن تكون أنت المتهم والمتابع لهذه القضية دون أن تعرف أن تدافع عن نفسك، فمشهد إشارات إرشادية من خشب (كما هي مناطق رعاة البقر) ترشدهم بوسط الصحراء، ثم مشهد آخر يتحدث أحدهم مع الدكتور (ما نوع العيادة؟ عيادة إكلينكية يحتاجها العراقيون للعمل والجيش) وأخرى تتحدث عن الشوق لابنها، فالحديث يدور عن كل ما هو إنساني لتسمع بعدها أذان الصلاة وكأن المشاهد الأمريكي يسمع موسيقى رعب عند دخول قرية خاوية كتلك التي تظهر في أفلام الرعب، بين النساء المحجبات، وفوضوية السوق، ونظرات المتوحشين الذين يرتدون الثوب أو العباءة.

خطوات قليلة ويبدأ القصف بالبنادق من قبل عناصر مسلحة تختبئ داخل المنازل المأهولة وبين النساء والأطفال حيث يتوجب على الجنود أن يدافعوا عن أنفسهم في هذه اللحظة.

مواقف تعطي حس بالإنسانية (لو كنت أمريكيا) عندما تشاهد احد الجنود يوقف إطلاق النار لأنه رأى طفلا يقف بجانبهم ليصيح (بوي.. بوي) أما الآخر فقد خفق قلبه لأنه أطلق النار على امرأة بدون قصد، والآخر يحترز في إطلاق النار حتى يتأكد من أن الطفل لا يحمل قنبلة, ولكنه فجر سيارتهم.

تحدث الفلم ببراعة عن مدى حس الإنسانية من قبل الجنود ولكنه لم يبدِ أي مشاعر لدى الشعب المغتصب وكأنهم بلا إحساس ثم يبرز كيف هي ملامح تلك البلد العقيمة وكيف يتصرف شعبها, لم يبرز أي شيء سوى الصور الكئيبة فالإشارات الخشبية تدل على حضارة عدة قرون خلت وتدل على أناس يعيشون على فتات الخبز لم يكن لهم من يرعى مصالحهم وفقرهم, وكما هو واضح من سياق الحديث (يحتاجها العراقيون) (والشوق للأبناء والوطن) (مهمة إنسانية) كلمات يقولها البشر فقط ولا يعرفها العراقيون, وضعت لتوجيه المشاهد لصالح الحرب, كما تظهر مشاهد القتل بتبرير الدفاع عن النفس.

في كل الحالات يرجع المخرج إلى نفس قاعدة الأفلام الأمريكية, صراع بين الخير والشر والأمريكي هو من يمثل الخير في كل الظروف على عكس فلم redacted أي (روقب) وهي كلمة تستخدم في وصف ما يحدث من تنقيح وتنظيف ورقابة تشمل الحذف والاستبعاد من التقارير الإخبارية الأمريكية المصورة التي تأتي عادة من مناطق الحروب والأزمات المشتعلة وهو من إخراج الأمريكي (بريان د ي با لما) عرض فيه وجهة نظر العراقيين على اقل تقدير وصور ما يفعله الجنود في العراق، وعما يتعرضون له، وعن وجهة نظر (الآخر) أي العراقيين أنفسهم، بل والمسلحين أيضا، وما هو الثمن (الأخلاقي) الفادح الذي يدفعه الأمريكيون من جراء تورطهم على هذا النحو.

ينتهي الكادر ببياض الشاشة كاملا كأنك انتقلت إلى الجنة، منظر علوي يبدأ لأشجار وجو رومانسي ومبانٍ حديثة, وأناس متحضرة, أنت الآن بواشنطن، حفل استقبال للقادمين وجنازة للموتى ويبدأ الجزء الثاني.

فالدكتور Samuel l jackson أصبح عصبي المزاج بالإضافة لتوتره وأرقه الدائم (لا تريدون أن توسخوا أيديكم بالتفاصيل, تريدون أن نعود وكأن شيئا لم يحدث) وبين محاولاته بإقناع ابنه الرافض للحرب على العراق، أو قوله إننا صادفنا مذابح جماعية على معسكرنا.

أما Jessica biel فأصبح لديها عقدة نفسية لأن كفها بترت, ولم تعد تعرف كيف تقابل ابنها بكف واحدة أو أن تفك (أزرار) قميصها, وأصبح لديها رفض للمجتمع لتظن كل مساعدة لها هي شفقة.

وbrian presley يعانق زوجة صديقه الحميم الذي توفي أثناء المعركة لتسأله: هل كان بطلا؟ ليجيب إنه مات من أجل أمريكا, ثم تسأله عن قطعة مصنوعة من النسيج العربي القديم, ليقول لها إنها من طفل عراقي ثم تبدأ معاناته في البحث عن عمل.

ثم تسمع حديث بينهم حين يلتقون أنني افتح على قناة التاريخ (بالحقيقة لا أعرف قناة بهذا الاسم) وأرى فيها كيف يحبون جنود الحلفاء! أترى لو نعود بعد 15 سنة هل يحملون تماثيلنا ويحبوننا كما كانوا لقد حررناهم لقد أنقذناهم.

على مدى ساعة ونصف ترى مشاهد لم تأخذ بالحسبان أن الدولة المضطهدة هي من يعاني شعبها من المشاكل النفسية أو من مشاكل طبية قد لا يمكن حلها وخصوصا حين استخدام أسلحة محرمة دوليا (آريان) استخدم طريقة الأفلام الوثائقية بتجميع قصص حقيقية(كما يزعم) من أجل تكوين صورة جديدة للحرب على بغداد وخصوصا بعد موجات الرفض لهذه الحرب، كما استخدم فيه إعادة تمثيل الواقع بطريقة غير مباشرة وغير صريحة ليفهمها المشاهد من سياق تركيب الكادر على أنها صور حقيقية، فاللقطات ليست معدة (بالأكشنات) المعتادة وإنما بسياق بارد نوعا ما مع ممثلين معروفين، لذلك لو كنت أمريكيا قد اقتنع أن هذا فعلا هو ما حدث.

الرسالة هنا لمسح الهوية الحقيقية للجنود بالعراق بغض النظر عن فضائح (بلاك ووتر) وما شابهها، وهي لتهدئة الشعب الأمريكي، وتبرير الغزو على بغداد ليكون (موطن الشجعان) عبارة عن رسائل سياسية مركبة على شكل فيلم، يحمل كل مقطع منه رسالة معينة ما على المخرج سوى تركيبها ولذلك الفيلم يفتقد إلى الحيوية المعهودة للأفلام ذات الفكرة المتماسكة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد