أحسنت وزارة التعليم العالي صنعاً، وهي تدشن المسار الخامس للابتعاث، بأن قصرت الدراسة في الخارج لمرحلة البكالوريوس على مجالات الطب فقط، وذلك للحاجة لأعداد كبيرة من المؤهلين والمؤهلات في هذا المجال، ولمحدودية استيعاب الكليات الطبية في الجامعات السعودية. وكنا نتمنى لو طال ذلك المبتعثين من أجل الدراسات العليا بشكل عام لتوجيههم نحو التخصص في مجالات معينة يعاني الوطن من نقص الكوادر الوطنية المؤهلة لشغلها، وعدم ترك المسألة لاختياراتهم الشخصية.
فعلى سبيل المثال يمكن توجيه عدد غير محدود من المبتعثين للدراسات العليا في مجال القانون نحو التخصص في اتفاقيات التجارة متعددة الأطراف التي تشرف عليها منظمة التجارة العالمية، وآخرون في نظام تسوية المنازعات التجارية في المنظمة، وتدريبهم في الأكاديميات التي تتعاون معها. وغيرهم في موضوعات القانون الدولي الحساسة التي تشهد فراغاً في الخبراء والمتخصصين في هذه المجالات.
كذلك في مجالات السياسة والاقتصاد والإدارة، فيستحسن توجيه المبتعثين للدراسة في تخصصات محددة للاستفادة منهم بعد عودتهم من خلال الإسهام العملي في إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الاقتصادية والإدارية التي نواجهها، وسد النقص الحاصل في أعداد الخبراء والمتخصصين.
أيضاً نتمنى أن يكون الابتعاث موجهاً للجامعات العريقة في الدول الأجنبية المعروفة في الجودة العالية لمخرجات التعليم حتى لو كان ذلك على حساب عدد المبتعثين. والحد قدر الإمكان من الابتعاث لبعض الجامعات الهزيلة في بعض الدول الأجنبية والعربية، وترك هذا المجال لمن يرغبون مواصلة التعليم على نفقتهم الخاصة لإضعاف حجة من يقولون إن الابتعاث للخارج الهدف منه التغلب على صعوبات القدرة الاستيعابية للجامعات السعودية وليس مشروعاً وطنياً له أهداف محددة.
وتبقى المهمة الأصعب التي تواجه الوزارة وهي اختيار المرشحين للابتعاث للدراسة في الدول الأجنبية. فهل أي طالب مؤهل للاغتراب من أجل الدراسة من واقع الشهادات والمؤهلات؟ أم يمكن الانتقاء على أساس معايير أخرى؟. الواقع أن هذه المهمة صعبة، ولكن البرامج التوعوية التي تنظمها الوزارة للمرشحين للابتعاث قبل الانتقال للدراسة، ساهمت في تهيئتهم للتعامل مع ثقافات وقيم وعادات وقوانين أجنبية، وكان لها الأثر الإيجابي في الحد من عدد القضايا والمخالفات التي يتعرض لها بعضهم في الخارج.
إن الابتعاث ذو التكلفة المالية الباهظة المقتطعة من المال العام، يجب أن يكون مشروعاً وطنياً، وأن يستثمر على الوجه الأمثل نحو توفير الكفاءات الوطنية، وسد النقص الكبير في الخبراء والمتخصصين.
Hotmail.com@malshmmeri