رسالة من أحد القراء يتساءل في رسالته التي بعثها إليَّ ويقول: هل بالإمكان نجاح الموظف المبدع في أي منظمة وبالتالي استقراره فيها، والتي تناغمت فيها تلك الوظيفة مع ما يملكه من قدرات وميول مهنية؟. والإجابة على ذلك السؤال - في نظري- يحتاج إلى تفصيل، والسبب في ذلك
|
بالرغم أن كثيراً من الأطروحات الحديثة ركزت معالجتها على الإجراءات الإجرائية للجودة وثقافة الجودة، والتوجيه المهني وما يرتبط بها من الكشف عن مخرجات تلك المنظمات، ولكنها لم تعالج بقدر كاف الأطر التنظيمية والإدارية والتي يمكن إجمالها في الآتي:
|
|
* المناخ التنظيمي (بيئة العمل).
|
|
ووجود أي خلل في الأطر التنظيمية والإدارية أعلاه يسبب أزمة واضحة في أي منظمة حيث تشير الإحصائيات الحديثة أن الموظف الأمريكي الذي يبلغ من العمر 32 عاماً قد تنقل بين ما يقل عن تسع وظائف خلال فترة عمله حتى بلغ هذا السن. وفي عام 1999م أظهرت إحصائية أخرى رقماً مذهلاً كشف عن أن 17 مليون أمريكي استقالوا من وظائفهم بحثاً عن فرص عمل أخرى. لنا أن نتساءل كم من هؤلاء الموظفين الذين تنقلوا في بيئات مختلفة متميزون ومبدعون!..
|
بعض المنظمات أي كان مجالها يوجد فيها صناع قرار يتسببون في أن تكون بيئة العمل التي ينتسبون إليها طاردة للموظفين وليس جاذبة لهم، إضافة لذلك تصبح تلك البيئة مليئة بالأمراض التي تهتك جدار تلك المنظمات ناهيك عن إضعاف مخرجاتها، ويؤكد ذلك الطرح ما ذكرته المؤلفة الأمريكية (روتا لتشنبرج) في كتابها (المبادئ التسعة للعلاقات التي تدعم وظيفتك) حيث أشارت إلى أن رئيس شركة يدعى (دونلاب) تسبب في إفلاس العديد من الشركات التي يترأسها ومما قالته: (منهج إيه. إل. دونلاب في الإدارة، دونلاب بالطبع هو الرئيس السابق لشركة (صن بيم)، الذي ألف كتاباً أسماه (العمل الحقير) وشرح فيه فلسفته بصفات أربع وهي: خفض التكلفة، لا يحتفظ بالموظفين، الغدر بهم، ثم الاحتفاظ بكل الربح لصاحب العمل)، بعد فترة وجيزة تم فصل دونلاب نهائياً من الشركة بعدما تسبب في انهيارها بالكامل، وأثناء فترة عمله تم فصل الكثير من الموظفين المتميزين، فأصبحت بيئة تلك الشركة بوجود رجل بمواصفات (دونلاب) بيئة طاردة ومفلسة!.....
|
كما يؤيد ما طرح أعلاه الأديب الأستاذ صالح الناصري بمقاله بعنوان (الوصفات الأربع للفشل: مقاطع من سيرة سعد بن ناشب، مجلة التدريب اليوم العدد الثاني) بقوله: (بيئة مثل بيئة سعد بن ناشب - شاعر إسلامي، وكان من شياطين العرب-، تحتفل بالقوة وترى فيها صمام أمان، يحمي من تقلبات الزمان. وذلك جانب قد يبدو مشرقاً في نظر الكثير. وقد جعلت منه هذه الصفات علماً من أعلام قومه، ورمزاً من رموزهم. لكن لهذا الشاعر جانب آخر أملته عليه ثقته في إمكاناته، هو طموحه إلى القيادة، التي تاقت إليها نفسه الممتلئة بصفات يفتقدها الكثيرون. وهذا ما جعله يقدم نفسه لقومه ليرشحوه لهذه المهمة العظيمة. وقد عرض عليهم مجموعة من صفاته التي ظن أنها تؤهله لهذا المركز الحساس، وهي صفات وإن كانت تميز الفرد في ذاته إلا أنها لا تناسب القادة بأي وجه من الوجوه، بل إن القادة الإداريين المتمرسين لا يترددون في إعلان براءتهم منها في كل مناسبة، وتدور هذه الصفات حول أربع أمور لخصها في أبياته التالية التي وصف بها نفسه:
|
فيا لرزام رشحوا بي مقدما |
إلى الموت خواضاً إليه الكتائب |
أخي عزمات لا يريد على الذي |
يهم به من مفظع الأمر صاحبا |
إذا هم ألقى بين عينيه عزمه |
ونكب عن ذكر العواقب جانبا |
ولم يستشر في أمره غير نفسه |
لم يرض إلا قائم السيف صاحبا |
فلقد طلب من قومه ترشيحه، ثم وصف نفسه بأنه: لا يبحث عن أعوان، ولا يبالي بالنتائج، ولا يستشير أحداً، ولا يؤمن إلا بالقوة).
|
ترى هل يحتاج الفشل بأي منظمة إلى أكثر من تلك الوصفات الأربع. ترى هل يعي (دونلاب) و(سعد بن ناشب) أن وصفة واحدة من وصفاتهم كافية للعصف بأكبر المنظمات، وجعل مخرجات تلك المنظمات ضعيفة ومتهالكة ومنكشفة عند أدنى فرصة في سوق العمل، ولذلك فإنني أؤكد كذلك على ضرورة استبعاد ما يمكن تسميته (القيادة بالصدفة) وأعني بهم أولئك الذين ظفروا بمناصب قيادية في بعض المنظمات من جراء صدف أو علاقات غير موضوعية.
|
إذن لا يكفي وجود الفرد المبدع في أي منظمة مادام هناك خلل واضح في الثقافة والمناخ التنظيمي، وما دام هناك من يملك وبجدارة تلك الوصفات الأربعة للفشل، وكم بيننا من قادة إداريين على مذهب (دونلاب) و(سعد بن ناشب)!. فهل نعيد النظر والتقييم لرفع مستوى الجودة في منظماتنا؟!.
|
|
|
|