حائل - مفرح العمعوم:
نظم النادي الأدبي بمنطقة حائل ممثلا بلجنة مدينة جبة الثقافية ندوة بعنوان (آثار جبة.. أهميتها الثقافية والتاريخية)، بتعاون كل من: بلدية جبة ولجنة التنمية المحلية الاجتماعية بجبة. وانطلقت الندوة في الهواء الطلق في مكان تم تجهيزه قرب منطقة الآثار شمال غرب جبة (منطقة الزليق)، وشارك في الندوة عضوا هيئة التدريس في كلية الآثار والسياحة بجامعة الملك سعود، وهما: الدكتور سليمان الذييب، والدكتور محمد الذيبي، فيما اعتذر الدكتور عبدالمحسن الحجي بسبب سفره للخارج في مهمة عملية. وأدار الندوة عضو مجلس الشورى الأستاذ سعود بن عبدالرحمن الشمري وبدأها بتوضيح الهدف من هذه الندوة وهو نشر الوعي بالآثار في منطقة حائل وتبيان أهميتها سياحيا واقتصاديا للشعوب والمدن التي تجاور هذه الآثار، ثم قدم السيرة الذاتية للدكتور سليمان الذييب، وبدأ الدكتور الذييب محاضرته بالتعبير عن اعتزازه بتمكنه من زيارة المكان الذي كانت تربطه به الصلة من خلال المقالات، واعتذر لكونه كمن: (سيبيع الماء في حارة السقايين)، وقال: (أهل جبة ادرى بمكنوناتها)، وتطرق إلى النقوش الثمودية، وأن القرآن الكريم حدثنا عن العبرة مما حصل لهم، وأوضح أن قبيلة ثمود كانت لهم حضارة مميزة. وقال الدكتور الذييب: أفادت عن الحقبة التي عاشت فيها ثمود بعض المصادر الآشورية الذين كانوا معاصرين لثمود، لكن الآشوريين وصفوا ثمود بأنهم كانوا أقرب إلى عدم التحضر وكانوا بدائيين ولم يكن لديهم حكم مركز.
وأوضح الدكتور الذييب أن الحقبة الزمنية التي عاشت فيها حضارة الثموديين ولغتهم امتدت 1200عام ما بين القرن الثامن قبل الميلاد واستمرت إلى القرن الرابع بعد الميلاد، وعن موطنهم قال الذييب: (صحيح أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أثناء ذهابه إلى إحدى الغزوات نصح أصحابه بعدم البقاء قرب منطقة (الحجر) لأنها منطقة عذاب، ولكن الحجر نفسها تحتوي بيوتا وقبورا ولا يوجد ما يشير إلى وقوع عذاب فيها.. ولكن المنطقة التي قصدها صلى الله عليه وسلم هي منطقة (الخريبة) قرب (الحجر) وهي التي حصل فيها الزلزال وآثاره واضحة، وذلك فيما أراه وأرجحه). وأشار الذييب إلى شيوع النقوش الثمودية في كافة أنحاء الجزيرة العربية خلاف اللغات الأخرى التي تنحصر فقط في مناطق معينة، وبين أن اللغة الثمودية تتكون من 28 حرفا تقرأ من اليمين أو من اليسار أو من الأعلى أو من الأسفل أو حتى من الوسط إلى أحد الاتجاهات.
وقد عكست نقوش الثموديين حياة قبائلهم الاجتماعية في تلك الفترة، وأوضح أن الحرف الثمودي مقسم إلى ثلاثة أقسام هي: ثمودي مبكر في منطقة نجد وحائل، وثمودي متوسط في تيماء، وثمودي متأخر من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الرابع بعد الميلاد وتكثر رموزه في شمال غرب حائل والقريات وعرعر. وأوضح الذييب أن أول من زار جبة هو الرحالة الغربي تشارلز هوبر في عام 1882م ونسخ 88 نصا من الكتابات الموجودة هنا وعاد بعد عامين أوي تونج ونسخ 151 نصا ثم أتى الكندي وينيت والأمريكي رد ثم انقطعت رحلات الرحالة حتى عام 1970م في عهد المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز ومجيء البعثات السعودية وتحصلت على 3500 نص نشر منها ما يزيد على 620 نص. وبين المحاضر أن النقوش الثمودية وجدت في 27 موقعا وتتركب اللغة الثمودية من 4 مكونات، هي: أسماء الأعلام ومنها ما هو على وزن فاعل مثل: صادق. وأسماء القبائل وكانت 6 قبائل. والأماكن، ومن أسماء الأماكن التي ورد ذكرها بقعاء. والآلهة، وورد ذكر 9 آلهة منها نهي ورضو.
ومفردات أخرى منها 167 فعل واسم، وأشياء ذات دلالات اجتماعية طريفة، رافقتها رسوم وعول ونعام يركبها أشخاص وخيول وجمال وعقارب وأسود وثيران ومشاهد للرقص ورسوم لنباتات ورسوم للنخلة التي وجدت فقط بكثرة في جبة، وتطرق الدكتور الذييب لنماذج من دعوات النساء في ذلك الوقت مما تمت ترجمته كعبارة: (يا اله أمت أسد) وهو زوجها، وضرب مثلا على النصوص التذكارية كتردد كلمة (ودد)، وهناك نصوص تدل على الحب والغرام بين رجل اسمه عباس يحب امرأة اسمها عطرة:. (عباس حب عطرة)، وورد نص يدل على حب رجل لرجل (عم عشق تم) وربما كان اللواط موجودا عند الثموديين.وأضاف الدكتور الذييب: توجد لديهم نصوص الملكية كعبارة: (هذه الدار لي) وغيرها، وتدل نقوش الثموديين على ظواهر اجتماعية كالخلافات العائلية وامرأة تدعو على زوجها (يا اله جنن اوس بن نهال)، ونقوش اقتصادية (هذا الدكان للبابلي)، إضافة إلى النقوش السياسية والترفيهية والرقص بطريقة الدبكة، وأوضح الذييب أن الآثار عامل جذب للسياح ولا بد من نشوء ثقافة سياحية تقوم على (تدليل) السائح مع توفر بنى تحتية قوية ومناسبة.
ثم نقل مدير الندوة الأستاذ سعود الشمري دفة الحوار إلى المحاضر الثاني في الندوة الدكتور محمد الذيبي وقدم الشمري له واستعرض سيرته الذاتية، وبدأ الذيبي باستعراض موقع منطقة حائل الجغرافي من خلال عرض مرئي للخرائط بواسطة جهاز العرض الحاسوبي وبين أن حائل لم تكن أبدا بمعزل عن الحضارات المجاورة في العالم القديم في بلاد الرافدين وفي بلاد الهلال الخصيب وحضارة بلاد النيل ومختلف إنحاء الجزيرة العربية من الخليج وحتى البحر الأحمر وكانت حائل حلقة وصل بيت جميع هذه البلاد. وتساءل الذيبي: لماذا أقام الناس في هذه المنطقة؟ وما الدافع لعيشهم هنا؟ الإجابة: هناك إمكانات طبيعية كوفرة المياه وتوفر الغطاء النباتي الزراعة ووجود الحيوانات والمناخ المناسب، وبين الذيبي مصادر المعلومات التاريخية التي تكلمت عن حائل: كالجغرافيين المسلمين أمثال ياقوت الحموي والهمداني، والرحالة المسلمين كابن بطوطة وابن جبير، والرحالة الغربيون كأوغسطين فالين وويليام بلجريف وآن بلانت وتشارلز هوبر والويس موزيل، إضافة إلى المسح الأثري الذي قامت به إدارة الآثار والمتاحف في عام 1378هـ - 1958م.
وقدم المحاضر عرضا مرئيا لصور بعض الأدوات الحجرية من موقع جبة، وتحدث بشكل عام من خلال عرض الخرائط لأهم المواقع الأثرية في منطقة حائل ومحتوياتها: كجبل ياطب وموقع جانين، وموقع جبة الذي هو بمثابة متحف مفتوح يعكس جوانب الحياة المختلفة والطبيعة كصور الوعول والبقر ورجل يحمل سهما ومشهد الرقصات، والأهم منظر للعربة التي يجرها حصانان كإنجاز حضاري لهذه المنطقة في ذلك الوقت وكيف وصل اختراع العربة إلى الجزيرة العربية.