Al Jazirah NewsPaper Wednesday  05/08/2009 G Issue 13460
الاربعاء 14 شعبان 1430   العدد  13460

الرأي الآخر
الهيف والطيف

 

الأمل كالشاطئ الجميل ترسو عليه خيالاتنا حين نبحر في خضم الألم، أو حين نسافر في عالم الأحلام الممتع لنحدث نوعاً من التوافق بين طموحاتنا وواقعنا، وإذا كان الأمل يمر أو يلوح عابراً كالطيف، فإن الألم يمر ثقيلاً وموجعاً ك(الهيف)، والهيف اسم يطلق على الريح الحارة التي تيبس النبات وتعطش الحيوان وتنشف المياه، ولذا فهي تمحق العشب متى ما هبت، ولأن الشعر لا يخلو من شاهدٍ على ما يجري في بيئة الشاعر فقد نسبت أبيات قلائل لشاعرة شعبية تاقت لحبيبها الذي يسكن الحضر، بينما تظل تمارس النزوح مع أهلها من مكان إلى آخر طلباً للكلا، هذه الشاعرة كان حلمها أو أملها أن تهب ريح الهيف لتلوي بأعناق الشعب فتمحقه، ويجف الماء، فيضطر أهلها للعودة إلى البيوت في الحضر، حيث يقطن الحبيب ومن قولها:

متى على الله يهب الهيف

يلوي بعشب الزماليقي

وإيلا نزلنا ليال الصيف

يملا النظر شوف عشيقي

أعطيه شي بعد ما شيف

لو يزعلون العشاشيقي

ولو يذبحوني هلي بالسيف

والله لأسقيه من ريقي

والحقيقة أن نسبة مثل هذه الأبيات لأنثى فيه شك كبير، فكيف لأنثى أن تقول شعراً تعد فيه الحبيب بالتعلة من ريقها، والنظر إلى محاسنها، فما بالك بتحدي الأهل والوعد القاطع بذلك، فما عهدنا في الشعر قديمه وحديثه شيئاً من هذا، فقد كان الشعراء هم الذين يتمنون ويعدون وربما يتحدون، هذا إذا افترضنا أن الأبيات من شعر امرأة فعلاً، إذ ربما يكون شاعرها رجلا جعلها على لسان أنثى، وإذا كان قد قيل (إن من الحب ما قتل) فإنه يجوز أن نقول هنا (إن من العشق ما سفل)، وأقصد بذلك ما سفل قولاً سواء أكان عن قصد أم عن سواه، وأما العشق فقد كان شجرة متفرعة الأغصان يؤمها العشاق كالحمائم فيما مضى، ومنه بل وأرقه وأحسنه العشق العذري نسبة إلى بني عذره الذين كثر فيهم شعر الغزل حيث سوئل أحدهم: لم يكثر الشعراء العشاق أو الغزليون في بني عذره؟ فجاء رده قائلاً: أما والله لو رأيتم العيون الدعج والخدود البلج والأسنان الفلج والنساء الغنج لقلتم مثل ما نقول.

محمد سعد العجلان

mohammad_alajan@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد