تكتسب الأماكن منازلها بنازليها..
وتعتمر الذاكرة بالتفاصيل عنها بما يتركونه فيها..
زميل العمل ينزل منك أحياناً منزلة الفرد في عائلتك فتنتمي للعمل بما يمنحه هو فيه لك من الجوار الراقي, والتعامل الشفيف, والمصداقية الكيفية في كل موقف يعبر بكما, تماماً كما هو بيتك الذي تفتقد فيه الأخ الغائب, والابن البار, والرفيق الصدوق, والأم المعطاءة, والقريب القريب...
فإذا ما باعدت بينكما ساقية الحياة بدولبتها, انهمرت الذاكرة في مواقف الاستدعاء.. تشعر بالاعتداد بمن ترك قيمة لمكانه, وكون انتماء رابطاً بينه وبينك وبينكما والمكان.. لكن كيف تكون حالك حين تأتي مواقف الاستدعاء بموت, أو مرض, حيث لا تصل لزميلك, ولن تجد له درباً لتفضي إليه بما عرفته به, وبما بقي في ذاكرتك له وعنه؟.
الموت مشنقة التوقع.. بعده لن تتمكن من سوف أبداً..
ولن تطيعك ليت بأمل لحظةً,..
حدث لي هذا قبل مدة قريبة جداً حين باغتني نبأ وفاة الأخ العزيز محمد الجحلان.. وأنا في إجازتي عن الكتابة, إذ زاملته عقدين من الزمن مديراً لتحرير جريدة الرياض فنائباً لرئيس تحريرها..
وعلى الرغم من أن عملنا لم يجمعنا على مقاعد متجاورة, ولم نكن في موقع تنفيذ مشترك إلا أنه تميز رحمه الله بصدقه في كل موقف وبدأبه على الإنجاز, ودعمه بقرار يبادر فيه دون تعطيل لعجلة العمل, يعرف للأشخاص أدوارهم فلا يخلط في حق أحدهم, لم يحدث أن عطل أحداً مهما ضاق وقت التنفيذ، إذ يحمل على نفسه, ويشمر عن إرادته ليخرجه في أبهى أشكاله, طيب يتعامل بنقاء وبياض سريرة, دمث لا يجرح ولا يتجاوز, يحترم من معه ولو كان صغيراً, ويحفظ غيره ولو كان مخالفاً, هكذا تعاملت معه وهكذا عرفته رجل عمل وصدق ودماثة خلق وتقدير للآخرين,.. يحافظ على الأوليات, فلكل موقف أولوياته عنده وتمام الإنجاز كان ديدنه, كثيراً ما انتظر المادة للنشر وإن تأخرت ليتم إجازتها وإن كان بحاجة لدواء...
محمد الجحلان -رحمه الله- شطر مهم في تاريخ جريدة الرياض..
يزيد المتعامل معه تقديراً لرسالة صحيفته, وهو على خطها معاضداً فاعلاً ونشيطاً.. لذلك هو من الذين تكتسب المنازل منزلتها بنازليها.. ومن الذين حين جاء اسمه وبلغ خبره انهمرت الذاكرة تستدعي شخصية ناجحة مخلصة دؤوبة وصدوقة ارتبط مكانها بدورها, وانتمى للمكان اسمها..
مؤلم أبا خالد وريم وإخوتهم نعيك..
محزن والله فقدك..
كثير على من عرفك العزاء فيك
وقد حدث من حدث عن مسجدك الذي خلا منك بعد رحيلك
فليجعله الله تعالى لك موقعاً في الجنة..
وعن تشهدك عند نزعك...فليجعله برحمته قولك عند بعثك..
ونحدث عنك بما عرفناه وعهدناه مما أسأل الله أن يجعله في ميزانك قبولاً ورضواناً, وأن يتقبلك بما يرضيك ويغفر لك وعن الأرض يجافيك, وأن ينزل الصبر والسكينة على أمك الشفوقة, وزوجك الرفيقة, وأبنائك البررة, وإخوتك الخلص.., وزملائك الأوفياء.. (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).