أصدرت مجلة (السياسة الخارجية) الأمريكية قائمة بالدول (الفاشلة) ضمت 60 دولة من دول العالم. استأثرت القارة الآسيوية بنصيب الأسد من هذه القائمة وتلتها إفريقيا، والقارتان معا شكلتا حوالي 95% من الدول المدرجة في القائمة.
عزت القائمة أسباب الفشل إلى عدة عوامل، كما اعتمدت في تقييمها للدول على معايير حددتها في حوالي 12 معياراً، مصدرة حكمها على ضوء تلك.....
.....المعايير قوة وضعفاً. خلت القائمة تماما من دول القارتين الأكثر تقدما ونماء في العالم، أمريكا الشمالية وأوروبا، كما جاء في أسفل قائمتها معيار، كان من المفترض أن يتصدر القائمة، كعامل أساسي في فشل (كما ورد في عنوان القائمة)، أو تخلف هذه الدول عن الركب الحضاري بمعاييره الحديثة.
حقيقة، معظم دول القائمة المذكورة، تخلفت ولم تفشل، لأنها لو تركت وشأنها، لما وصلت الأوضاع فيها لما وصلت إليه، فلا يمكن على سبيل المثال وضع دولة مثل الباكستان على القائمة، مع علمنا التام بأن التدخل الأجنبي، هو الذي وضعها على القائمة حيث لعب الدور الأساسي، وكان سببا لا يخفى حتى على الصغار من تلاميذ المدارس.
ثماني دول عربية وردت في القائمة، تصدرتهم الصومال، وهذا طبيعي، فالأوضاع في الصومال عادت بالبلاد إلى ما قبل العصر الحجري، وهنا لا بد من التذكير بأن أوضاع الصومال ما كان لها أن تتفاقم إن تركت وشأنها، فالكل شهد ما أحدثته الولايات المتحدة ابان تدخلها بالصومال مما حدا بالمراقبين الدوليين، والمقربين من الدوائر الإفريقية اعتبارها المتسبب الرئيس لما وصلت إليه أوضاع تلك البلاد.
جاء السودان في المرتبة الثانية على القائمة عربيا والثالثة إفريقيا، والسودان، ذلك البلد المترامي الأطراف، الذاخر بخيراته الطبيعية الثرة، تداعت عليها الأمم، ولم تتركها وشأنها لتهنأ بخيراتها وتلحق بأخواتها في قافلة الركب الحضاري، فظهرت مشكلة جنوب السودان عام 1947، قبل أن تظفر البلاد باستقلالها، وما كان لهذه المشكلة أن تتفاقم لولا سياسة المستعمر بالسودان، فقد أصدرت بريطانيا المستعمرة للسودان (سياسة المناطق المقفولة) عام 1955، أي قبل تركها للسودان بعام واحد، وعزلت جنوب السودان عن شماله وفتحته عبر بوابتها الجنوبية المطلة على يوغندا للمبشرين المسيحيين وعتاة المستعمرين فغرسوا تلك النبتة الخبيثة التي نمت وترعرعت في ظل تكالب عالمي بغيض أدى إلى انفصال وشيك لهذا الجزء الكبير والذي يشكل ثلث مساحة السودان تقريبا في استفتاء مرتقب سيتم اجراؤه عام 2011م ليقرر أبناء الجنوب الانفصال أو البقاء في اطار السودان الموحد، ومازال جنوب السودان، وتحت غطاء دولي وتكالب صليبي يعاني من تدخل لن يتوقف حتى يتم انفصاله. إن ما حدث في جنوب السودان يتكرر اليوم بنفس السيناريو في دارفور بغرب السودان، بالرغم من أن سكان دارفور بملايينه الست مسلمون، إلا أن نشاط المبشرين يعمل بينهم تحت غطاء المساعدات، وعندما تتدخل الدولة تتهم بالإبادة الجماعية والعنصرية وبموالاة الشمال على الغرب وهكذا.. فأي دولة في العالم مهما بلغت هيبتها وقوتها ما كان لها أن تستقر وتنتعش في ظل أوضاع أهدرت كل مقومات البلاد، وعبثت بقوتها الدافعة نحو التطوير والاستقرار.
اعتمدت القائمة على معايير محددة، لتقرر من خلالها تقييمها لهذه الدولة أو تلك، بدأت بالضغط السكاني، ثم اللاجئين وحقوق الإنسان وانتهاء بالتدخل الخارجي.
ومما يلفت النظر أن معظم هذه المقومات، تعتبر نتاجا أو أسبابا لعامل ذيلت بها القائمة، وهذا العامل هو (التدخل الخارجي)، فعملية اللاجئين، وحقوق الإنسان، والصفوة المتنازعة وهجرة المواطنين كلها نتجت عن التدخل الأجنبي الذي أوقف ميزانياته المالية الضخمة في سبيل تعكير صفو هذه الدول والعمل على عدم استقرارها كما هو الحال في العراق وأفغانستان وباكستان وغيرها من الدول.
والغريب أن القائمة ضمت (إسرائيل/ والضفة الغربية) واستبعدت قطاع غزة، وكأنها، أي القائمة صدرت من إسرائيل، فأين القطاع، وأين فلسطين بكاملها؟ إن قصة فلسطين تؤكد بما لا يدع المجال لأي شك على أن أوروبا وأمريكا، هما أس المشاكل التي تعاني منها معظم دول العالم، وهما المسببان في تطور ظاهرة الإرهاب الذي يهدد العالم اليوم، فالإرهاب نتج عن ظلم هذه الدول واختلاف معايير تعاملها، وهي اليوم تشرب من نفس الكأس الذي أذاقته لأولئك الضعفاء. إن قضية فلسطين ما كان لها أن تكون لولا بريطانيا ومن بعدها أمريكا، فهما تقاسما الدور وبدأت بريطانيا الطور الأول بعد انتدابها على فلسطين فأصدرت (وعد بلفور) ثم أنهت انتدابها بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، لتخرج وتفسح المجال لأمريكا لتكمل مسيرة الاحتلال وتمكين اليهود.
إن (الصفوة المتنازعة) (Factionalized
Elites) والتي تعاني منها كل هذه الدول التي
وصمت بالفشل، من صنع الاستعمار. إن ما فعله المستعمر عبر تاريخه المشؤوم، متجذر في أرض تلك الدول المنكوبة، خاصة أنها وبعد استقلالها لم تمنح أية تعويضات أو مساعدات من تلك الدول المستعمرة والتي امتصت ثرواتها عبر حقب زمنية طويلة، فعلى سبيل المثال قبعت الجزائر تحت وطأة الاستعمار الفرنسي 132 عاماً، واستعمرت بريطانيا السودان حوالي 57 عاما، وهكذا، فهذه الدول لم يبدأ تاريخها الحضاري عقب استقلالها مباشرة، بل قضت سنوات طوال، تجتث ما غرسه المستعمر من أهوال أكل الأخضر واليابس ولم تترك لها ما تستعين به على تطوير مقدراتها خاصة بعد أن تركها ذلك اللص وولى هاربا بما خف حمله وغلا ثمنه.
القائمة خلت من دول الخليج، فهي بحق أكثر استقراراً، كما أنها وبفضل الله لم تعان من ويلات الاستعمار، لكن ان نظرنا إلى جنوب الجزيرة العربية نجد اليمن في المرتبة الثامنة عشرة، وهي حديثة عهد بعدم الاستقرار، وقد احدثت فيها التدخلات الأخيرة ما تشهده البلاد اليوم.
ان القائمة، وان جانبها الصواب في حكمها، إلا أنها مؤشر هام للدول المعنية بأن عليها الاعتماد أولاً وأخيراً على مقدراتها الذاتية وعلى سواعد مواطنيها، وأن تغلق منافذها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا من كل متدخل في شؤونها، لأن كل الشر يلج من باب التدخل وان كانت أغراضه إيجابية.
ان المنظمة الدولية التي أنشئت عقب الحرب العالمية الثانية، بعد أن ذاقت أوربا وأمريكا ويلات تلك الحرب، وتجرعت مرارة الاستعمار المؤقت لبعض أجزائها من قبل النازي البغيض، والنازية بضاعة أوربية تعكس السياسات العقيمة التي سممت الاجواء الاجتماعية مما أدى إلى ظهور هذه الصور البغيضة التي أحالت أوروبا إلى جحيم لا يطاق. ان الأمم المتحدة وهيئاتها المختلفة، سارت بنفس مسار المهيمنين عليها من مؤسسيها، ومن باب الإنصاف أن نشيد بمنجزات بعض منظماتها، خاصة منظمتي الصحة العالمية، والزراعة والأغذية العالمية، لما لهما من إياد بيضاء ساهمت في التخفيف من حدة الأمراض الوبائية والمجاعات، وما زالت تسهم كل في ميدانها.
المنظمة الدولية، لها وجهها القبيح أو بالأحرى الدميم (وهي صفة أسوأ من سابقتها بدرجات)، فعلى سبيل المثال سخرت مقدرات (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي ومحكمة العدل الدولية) في ترسيخ الهيمنة الغربية، ولم تعمل بما جاء في مواثيق إنشائها الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشاكل الفقر، الديون والظلم.
ان القائمة، وكما ذكرت هي أقرب إلى الإدانة الصامتة من قبل تلك الدول الضعيفة إلى من ظلموهم وكبلوا أيديهم ليضعوهم أخيرا في قائمة ويصموهم بوصمة هم صانعوها والمسببون لها.