Al Jazirah NewsPaper Friday  31/07/2009 G Issue 13455
الجمعة 09 شعبان 1430   العدد  13455
الشيخ الدكتور / عبد العزيز بن محمد السدحان في حديث له عن أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
إنكار المنكر ليس وقفاً على أهل الحسبة.. بل يتعداه إلى كل مسلم يقدر على ذلك

 

تغطية - فهد المقبل

أوضح الشيخ الدكتور عبد العزيز بن محمد السدحان في حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن خيرية هذه الأمة ليست مقصورة على زمان معين، أو مكان معين، بل جعل الله عزة الأمة وشرفها مرهوناً بوجود خصائص وصفات ارتضاها لها ووَعَد بالعِزِّ والتمكين لمن تمسّك بها، فمتى ما حرص أفراد المجتمع على تحقيقها، كان عزهم وشرفهم بحسب ما عندهم من تلك الخصائص والصفات.

وإن من تلك الصفات التي علَّق الله خيرية الأمة على وجودها، شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تلك الشعيرة التي جاءت بها النصوص الكثيرة المتواترة، تلك الشعيرة التي ترتفع بها الأمة أو توضع، فقد حكم الله بخيرية الأمة إن كانت تلك الشعيرة من خصالها واتصف بها أفرادها: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)

وفي المقابل أذلَّ الله أمة من الأمم تركت تلك الشعيرة وأهملت شأنها فكان عاقبة أمرها خُسْراً.

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إسرائيل عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) وأضاف قائلاً: إن اتصاف أفراد المجتمع بتلك الشعيرة كل بقدر طاقته، فيه ضمان لتحقيق المصالح وزوال المفاسد، فيه استمرار لتقدم الأمة ورقيها.

قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسله) وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى: (واعلم أن باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باب عظيم به قوام الأمر وملاكه، وإذا كَثُر الخبث؛ عمّ العقاب الصالح والطالح، إذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله بعقابه (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) ا هـ.

ثمار الأمر بالمعروف والنهي

عن المنكر

وعدّد ثمار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: إن في إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثماراً كثيرة ومنافع عظيمة، من ذلك: التمكين في الأرض (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرض أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور)

ومن ذلك: أنه علامة واضحة على فلاح الأمة (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

ومن ذلك أيضاً: أنه علامة على صلاح القائمين بها (يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)

ومن ذلك: أن القيام بهذه الشعيرة من صفات المؤمنين المتكاتفين الموعودين بالرحمة (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)

(التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)

ومن فضل هذه الشعيرة أيضا أنها من أعمال الأنبياء (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ) إلى غير ذلك مما ورد في شريف فضلها وعظيم قدرها.

ترك الأمر بالمعروف والنهي

عن المنكر

وأردف قائلاً: إن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإهمال شأنهما نذير شر وبلاء وفرقة وتناحر بين أفراد الأمة: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إسرائيل عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: (يخبر الله تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل من دهر طويل فيما أنزله على داود وعيسى عليهما الصلاة والسلام بسبب عصيانهم لله واعتدائهم على خلقه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((لعنوا في التوراة والإنجيل وفي الزبور وفي الفرقان ثم بيّن لهم فيما كانوا يعتمدونه في زمانهم فقال تعالى:(كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ)

انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.

وعن جرير رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أَعَزُّ وأكثَرُ ممن يعمله ثم لم يغيروه إلا عمّهم الله تعالى منه بعقاب) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود وابن حبان.

قال بعض الشُرَّاح: (لأن من لم يعمل إذا كانوا قادرين على تغيير المنكر غالباً فتركهم له رضا بالمحرمات وعمومها، وإذا كثر الخبث عمّ العقاب الصالح والطالح، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

فكل من شاهد منكراً ولم ينكره فهو شريك له فيه، فالمستمع شريك المغتاب ويجري هذا في جميع المعاصي..).

مفاهيم خاطئة

وأضاف قائلاً: إن بعض من يجلس عند المنكر أو يجالس أهله يتعلل بأنه ليس مقراً لهم وأنه منكر عليهم بقلبه، ولهذا أمثلة يقال: إن درجة الإنكار بالقلب تستلزم المفارقة، بمعنى أن يفارق المنكر بقلبه ويفارق أهلَ المنكر ومنكرَهم كما قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إذا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إذا مِّثْلُهُمْ)

قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: (فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل (إنكم إذا مثلهم) فكل من جلس في معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء. وأردف قائلاً: يتعلّل بعض الناس ويعذرون أنفسهم في عدم إنكار المنكر بالاحتجاج بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ) فيفهم بعضهم من هذه الآية أن المسلم إذا ألزم نفسه طريق الهداية وسَلِم من المنكرات فليس مُلزماً بدعوة غيره بمعروف ولا ينهاه عن منكر؛ لأن الذي طُلب من العبد أن يتفطن لخاصة نفسه، ولا شأن لها بسائر المسلمين، وهكذا يتعلل بعض الناس. وهذا الفهم فيه محاذير شرعية خطيرة، منها التجرؤ على الخوض في الآيات دون سؤال، مما نتج عنه القول على الله بلا علم، وكان الأولى بل الواجب على المسلم أن يسأل عمّا أشكل عليه وأن يحذر من تنزيل الآيات على فهمه وشهوته.

وإذا كان ذلك الفهم في معنى الآية باطلاً فما التفسير الصحيح لها؟

أخرج أصحاب السنن عن قيس بن أبي حازم قال: صعد أبو بكر رضي الله تعالى عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ) وإنكم تضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر ولم ينكروه أوشك الله أن يعمَّهم بعقاب)

وعن سعيد بن المسيب - رحمه الله تعالى - في هذه الآية قال: (إذا أمَرْت بالمعروف نهيت عن المنكر لا يضرك من ضل إذا اهتديت).

من يُنْكِر المُنْكَر؟

وعقّب قائلاً: إن إنكار المنكر ليس وقفاً على أهل الحسبة فحسب، بل يتعداه إلى كل مسلم يقدر على ذلك بيده ولسانه وبحسب المصلحة الشرعية، وأما الإنكار بالقلب فلا يعذر أحد بتركه، قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) أخرجه مسلم.

إن إعانة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أسباب فلاح المجتمع وتكاتف أهله، وفي ترك ذلك تفكك للروابط وتنافر بين القلوب. وتساءل قائلاً: أليس من التناقض أن بعض الناس مع تساهلهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو علموا بتفشي وباء من الأوبئة أو تعطل شيء من ضروريات الحياة كوسائل اتصال أو إضاءة، لاستنفرت الجهود للقضاء عليه عن طريق المكاتبة والمشافهة والمهاتفة مع من يعنيهم الأمر ولسارعنا إلى تقديم العون المستطاع في سبيل القضاء على ذلك الوباء أو رجوع تلك الضروريات الحياتية.

فيا عجباً! أين ذلك الاستنفار وبعث الهمم لمثل هذا الأمر من الغيرة على محارم الله تعالى. إن عين التناقض أن ترى جماعة من الناس يسعون جاهدين لإصلاح أبدانهم وبيوتهم بينما ترى كثيراً منهم غُفْلاً عن إصلاح قلوبهم.

مزلق خطير

وحَذَّرَ قائلاً: مزلق زلَّ فيه عدد غير قليل من الناس، والمراد بذلك: الكلام في أشخاص من أهل الحسبة، والتندر بأخطائهم وإكثار التشنيع عليهم فبعض ضعفاء النفوس يجعل الحديث فيهم فاكهة مجالسه يتشفى بنقدهم، يكثر تعداد أخطائهم، بل ويلتمس كل لوم ليحمله عليهم، وفي المقابل لا يقبل الاعتذار عنهم، ولمثل هذا وأمثاله يقال: ألا تتقي الله تعالى في نفسك ألم تعلم أن الغيبة حرام وتزداد حرمتها إذا تَشَفَّى الإنسان بذكرها ويزيد إثمها وجرمها إذا كان الضرر المترتب عليها متعدياً، يخطئ فرد واحد خطأً غير مقصود، فتتناوشه الألسنة والأقلام من كل حدب وصوب لا يرقبون فيه بل وفي كل من على شاكلته إلاّ ولا ذمة، يعددون مآخذ النقد، كل ذلك مصحوباً بلباس الحقد والشماتة.

فيا عجباً من ذلك الشامت، لم كل هذا التحامل والتشفي؟ أليس كل بني آدم خطاء؟ أليس الموظف يخطئ في عمله، والتاجر يخطئ في بيعه وشرائه فقد يكون غابناً أو مغبوناً؟ أليس المدرس يخطئ في مدرسته فقد يَضُرُّ طالباً وينفع آخر على حساب الأول؟ بل أليس الطبيب معرض للخطأ في عمله فقد يزيد المرض سرياناً وقد يتسبب في وفاة المريض؟

واختتم قائلاً: شاهد المقال: أن تضخيم خطأ المحتسبين نوع من الحقد والجرم في حقهم، وذنب عظيم ممن أطلق لسانه وقلمه في آحادهم أو جماعتهم أو جهازهم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد