شاهدت أثناء سفري موقفاً آلمني كان بطله ذلك الشاب الذي ترجَّل من سيارته والهواء يعبث بشعره الطويل متجهاً نحو باب المطعم الذي أغلق بابه عن استقبال مرتاديه لأداء صلاة العشاء.. وفي هذه الأثناء بينما أنظر إلى ذلك الشاب إذ بالجوار فتاة مع شقيقها ينتظران فتح المطعم لأبوابه.
ولقد كنت أراقب المشهد عن كثب فاستنكرت منظر ذلك الشاب الذي ما برح يُرجِّل شعره عدة مرات بيديه في وقت واحد.. ناهيك عن ملابسه ومشيته التي لا تَنُم عن اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه الأثناء ما برحت عينا ذلك الشاب تجول في الجوار حتى وجدت ما تبتغيه مما يرجح أنها اعتادت عليه.. لقد ركز ناظريه بشكل لافت على تلك الفتاة التي كانت في حجاب كامل، وعلاوة على ذلك في غفلة كاملة من شقيقها الذي يرافقها ولقد كان لي العجب من عدة أمور:
العجب كل العجب من ولي أمر الفتاة وكيف سمح لابنته بالذهاب مع شقيقها الذي كما يبدو عليه حداثة السن وقلة الخبرة في مثل هذا الموقف، وقد تناسى الحديث الشريف الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
والعجب كذلك من حال الشاب الذي ترك لبصره العنان يجول ويصول فيما لا يحل له دون رقيب ولا حسيب فقد أخذ بالتحديق في هذه الفتاة بطريقة أوجدت لديَّ لبساً شديداً.. هل هو فعلاً ينظر لهذه الفتاة التي أمامي والتي لا يبدو عليها علامات الفساد.. أم أنه ينظر لفتاة في مخيلته بصورة غير محتشمة، وقد أخلّ بالتوجيه الشرعي في حفظ الجوارح عن المحرمات مع العلم أن الأُذن أمانة، والعين أمانة، واللسان أمانة، وكافة الجوارح مشمولة بهذه الأمانة.
والعجب كذلك من ولي أمر هذا الشاب الذي يُعتبر مسؤولاً أمام الله عن تربية ابنه على هذه الحال التي تجلّى فيها الخلل البيّن في التربية من ضعف الغيرة والجرأة على محارم الله وقد أخلّ بالأمانة العظيمة والواجبات الكبيرة التي منها رعاية الأولاد وتنشئتهم على الصلاح والاستقامة وإرشادهم لكل خير وتحذيرهم من كل شر وبذل الجهد في إلزامهم بالأخلاق الكريمة والسجايا المستقيمة.. وقد قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ).
ومن هذا الموقف يتجلى لنا أن مسؤولية المنكرات التي تحدث لا تختص بطرف واحد فقط، بل يتجلى منها مقدار شناعة إطلاق البصر.. وكيف أن الجرأة على ما حرَّم الله لا تنتهي.. فنحن نتحدث عن فطرة إنسانية منتكسة كل ما تم إشباعها تطلب المزيد وقد تذهب إلى أبعد من ذلك.. وماذا بعد النظرة؟!!! والتي تُعد سهماً من سهام إبليس إلا الزنا.
وهل ننتظر لكي يصل حال شبابنا وفتياتنا لهوة الانحراف؟!!!! ونساعد على ذلك بسلبيتنا وتقصيرنا في تنمية شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأين نحن من تربية الرسول والتوجيه الرباني والتربوي للشاب الذي أتاه يستأذنه بالزنا حين قال له: أتحبه لأمك؟ وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم حصل من الشاب على إجابات مقنعة، واختتمها بأن وضع يده عليه، وقال: (اللهم اغفر ذنبه وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه).. فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء.
mohlahamm@hotmail.com