يظل الإجماع حول التعافي المستدام قصير المدى أمر تكتنفه الشكوك، حتى وإن تباينت الآراء حول دلائل الاستقرار الاقتصادي التي بدأت مؤخراً. يتوقع المتفائلون العودة إلى نمو بطيء بحلول عام 2010، بينما يخشى المتشائمون المزيد من التراجع والركود. في حين تبدو الأسواق المالية تمر بلحظات انشراح لا صلة لها بالأساسيات. الأمثلة كثيرة: تصاعد السلع، أرباح بعض البنوك الاستثمارية الرائدة، وتمكن الصين من التفوق على جميع التوقعات. بينما تبدو بعضها إيجابية، لكنها مؤقتة، يبدو جلياً أن انعدام التوجهات يجبر الكثير من المشاركين في السوق على الاستفادة من عدم الثبات المتنامي.
وباعتبار هشاشة الاقتصاد العالمي، تبدو معظم دلائل النمو التي برزت مؤخراً أنها قائمة على أسس غير ثابتة، لكنها قد تساعد في منح المزيد من الوقت. وهي تقديرات احتسبها صناع القرار على نطاق العالم الذين تبنوا الكثير من الخطوات التحفيزية على نحو تقليدي، بعكس مبدأ كينيز. في حال عدم استمرار النمو، على أية حال، ستكون بعض استجابات الطوارئ أمراً مكلفاً وغير مستدام. تتمثل الخطورة في نفاذ المصادر الفعالة للحكومات لتوجيهها لبرامج الإنعاش الاقتصادي قبل استمرار النمو. هذا ما حدث بالفعل في اليابان، حيث كانت النتيجة عقدين من النمو الحاد وأحد أعلى معدلات الدين لإجمالي الناتج المحلي في العالم.
إنها طبيعة الأسواق تخصيص الأموال في استثمارات ذات أعلى مردود. وفي ظل المخاطر المرتفعة التي تفرضه الظروف الحالية، أدى ذلك إلى تحويل غير معتاد للأموال إلى نطاق محدود من الأصول. خلقت الصين أعظم قدر من الحماس، من بين الأسواق القومية، رغم أن الهند أيضاً قد أدهشت مراراً في الارتفاع. وكذلك، تشير نتائج الربع الثاني لبعض البنوك الاستثمارية على دليل محل جدل لكنه رائع ل(عودة الأعمال كالمعتاد). علاوة على ذلك، أظهرت السلع ديناميكيتها، ليس فقط بسبب مفاهيم الانتعاش الاقتصادي، بل كنتيجة للجهود الصينية لتنويع احتياطاتها. كما أن هناك استجابات ثنائية تتصل بأحداث منفردة، مع أمثلة تجاوز البيانات للتوقعات المسببة للتصاعد. وفي المقابل، تؤدي نقص البيانات الإيجابية إلى اليأس مجدداً استناداً على الافتراض القائل بأن (الأزمة لم تنته بعد). شبه إفلاس مجموعة CIT، الذي كان سيمثل أحد أكبر الإخفاقات المؤسساتية في تاريخ الولايات المتحدة، خلق نوعاً من القلق بشأن تراجع آخر أشبه بما حدث عقب انهيار ليمان برزرز. وكان من شأن تجنب ذلك الانهيار بث روح من السرور والطمأنينة حول مناعة الاقتصاد. بعض الآراء المتقلبة تتسم بدرجة من المرونة العاليةً، مع ضرورة وجود دليل عكسي واضح لتقويض فترات الحماس، فيما إذا كانت عقلانية أم غير ذلك.
ربما، وما يعزز مؤيدوا بداية الانتعاش الاقتصادي، تشير دلائل التقدم الأخيرة بارتباطها بالدلائل الإيجابية المتصلة بأساسيات الاقتصاد؛ وأصبحت تقديرات النمو أقل تشاؤماً، بعضها حسابية فقط. يرتبط مدى عمق الكساد لحد كبير بعملية متأصلة ومحددة للتخلص من الأسهم. بينما أدى التراجع الحاد للعديد من الأسواق إلى تصحيح جزئي، وفي بعض الحالات تصحيح هام للخلل والتقييم المستمر، مقللة المزيد من التصحيحات الحادة. ما يبدو أقل وضوحاً، مدى سرعة سماح الديناميكيات للنمو الحقيقي؛ لا يعني الاستقرار التحسن التلقائي.
رحب الكثير بالأداء الاقتصادي الصيني الذي حدث مؤخراً كدليل متجدد بعدم الارتباط، مع تنامي الآمال بأن الصين ستلعب دوراً هاماً في سحب الاقتصاد العالمي خارج الركود. وحسب ما أصدرته إحصائيات الحكومة الصينية، تزايد النمو الاقتصادي من 6.1% في الربع الأول إلى 7.9% في الربع الثاني وسجلت الدولة نسبة زيادة هائلة في الاستثمارات الصناعية قدرها 10.5% وكذلك نسبة نمو أكبر في مبيعات التجزئة قدرها 15% ويرى الكثيرون أن ذلك جزء ضروري لإعادة توازن الاقتصاد العالمي.
تأتي بعض الشكوك حول هذا الأداء في ظل الشكوك القائمة على مدى موثوقية الإحصائيات الصينية. على أية حالة، لا ينظر إلى النمو في مستوى 8% على أنه ضرورة اقتصادية واجتماعية بل بأنه أمر ضروري لمصداقية النظام الحاكم. حتى الآن، تستمر السلطات الصينية في تعبير شكوكها إزاء استدامة الطفرة. وكمثل نظيراتها في الغرب، تحاول بكين في إطالة الوقت. لا شك، يمكن أن يستمر النمو الذي تقوده الحكومة لبعض الوقت، لكن سرعان ما يتغير الوضع في حالة عدم تسارع الانتعاش الاقتصادي العالمي. يجري بعض النقاد المقارنات مع عقد اليابان المفقود. فيما يعتقد الآخرين مخاطرة الصين بتكرار أخطاء دول الغرب بالنفخ في فقاعات الائتمان. يبدو جلياً تحقق الانتعاش الحقيقي والمستدام عند انتعاش قطاع التصدير؛ وهنا تبدو المؤشرات متباينة. تمثل اقتصاديات الولايات المتحدة وأووربا معاً 15% من إجمالي الناتج المحلي للصين ونحو 40% من إجمالي صادرات الدولة.
تتمثل الخطورة الكبرى في سياق محاولة الأسواق الكبرى لتضخيم حركات أسواقها على نحو كبير، الأمر الذي أثار انتقاداً واسعاً لأسعار النفط. بينما نجح الصينيون في تحفيز الأنشطة الاقتصادية نسبياً، لا يبدو نمو سوق الأسهم بنسبة تزيد عن 70% ووصول معدلات عائد السعر لأكثر من 30 كثيراً فحسب بل إنه غير مستدام أيضاً. مع هذا، جذبت الفرصة نطاق أكبر من الاستثمارات. لا سيما، الأمر الأكثر تعقيداً البحث عن فرص الاستثمار المقارن بفعالية، حيث يتطلب خطوة سريعة وتوقيت مناسب. مع تزايد عدد المستثمرين الآخذين بتلك الحسبة، سيرتفع عدم الثبات ارتفاعاً حاداً. في الواقع، سيؤدي ذلك إلى العودة إلى الأنماط القديمة، مع نمو اقتصادي متذبذب إلى حين فترة التضخم المنخفضة أبان أواخر الثمانينيات وبعدها.
تكمن أحد التحديات الكبرى بسبب التذبذب المتزايد في النقص النسبي لفرص القيمة المتبقية للمستثمرين على المدى الطويل. بينما تعتمد المنفعة الاقتصادية لملايين المدخرين في العالم ككل على أسواق الأسهم. كيف نبتكر وسائل لضمان الأمن المالي طويل المدى للمتقاعدين في بيئة غير مستقرة إذا كان باستطاعة الفرد جمع المال بواسطة إدارة فعالة (ومكلفة) فقط؟ تعرض مخاطر هذه الفلسفة تبني قصر النظر الذي ساهمت في هذه الأزمة في المقام الأول. يمثل ذلك تحدياً أيضاً للمؤسسات التي أعاقها التراجع والتذبذب خلال الأشهر القليلة الماضية. في حين تمكن العديد من مديري الأموال من حماية عملائهم بالرجوع إلى النقد، لا تمثل هذه الإستراتيجية مبرراً كافياً لفرض رسوم إدارة ولا طريقة لإنتاج عائدات كافية لحملة السندات أو الأسهم. ومن منظور أوسع، يمثل الاستثمار الجماعي، وسوق دون توجه واضح متسماً بتذبذب مرتفع خطر نظامي. تثبت صحة ذلك، خاصة مع تزايد بلوغ معظم سكان الاقتصاد الغربي وبعض الأسواق الناشئة سن الشيخوخة. تستجيب بعض الشركات والحكومات إلى ذلك بتعديل الوصول إلى السندات وتعديل شروط السندات؛ رغم ذلك، تخلق تلك المخاطر عدداً غير مقبول سياسياً من الخاسرين. قد يكون أحد ما خلفته الأزمة- إلى جانب الضرائب المرتفعة- النقاش المتجدد حول الإصلاح النظامي لمخصص الرفاهية. تكمن المشكلة، في شح المصادر المالية لدعم القرارات السياسة المهمة وقوى القصور، متخفية في خفيض التكاليف قوية. بينما يشكل كل ذلك تحدياً كبيراً للاقتصاد العالمي، يجب أن تكون الأسواق الناشئة المستفيدة نسبياً. حيث سيكون لها حصة أكبر من الاستهلاك العالمي وكذلك من العائدات التي تدفع لمعاشات متقاعدي الغرب.
خاص «الجزيرة»