Al Jazirah NewsPaper Thursday  23/07/2009 G Issue 13447
الخميس 01 شعبان 1430   العدد  13447
الكليات الشرعية بين الإلغاء والترشيد!
د. سعد بن عبد القادر القويعي

 

لست مع الآراء التي تنادي بضرورة الاستغناء عن الكليات الشرعية، بحجة عدم الحاجة إلى خريجي تلك الكليات في هذا التخصص الذي يُعاني من ارتفاع نسبة البطالة.. بل إن التوازن في افتتاح الكليات الشرعية هو مطلب شرعي قبل أن يكون مطلباً اجتماعياً، فمعرفة الإنسان للعلوم الشرعية باتت ضرورة حتمية، وقد أمر الله -سبحانه- بالتفقه في الدين، وتعليم الناس العلم الشرعي كما في قوله - تعالى-: ...

... {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.

وفي ظني أن مواكبة متطلبات سوق العمل بحاجة ماسّة إلى خريجي الكليات الشرعية، وذلك لتعلقها بوظائف مهمة وعديدة، كالقضاء بقسميه (الشرعي والإداري)، فهذا المرفق القضائي بحاجة إلى زيادة أعداد القضاة، والتوسع في انتشار المحاكم المتخصصة وتشكيل الدوائر القضائية، من أجل سرعة البت في القضايا التي يرفعها المواطنون والمقيمون، وذلك - لا شك - يتطلب الإنجاز السريع الذي يقضي على اليأس من تحقيق العدالة في حينها.. ولا سيما أن عدد القضاة في السعودية أقل من عُشر متوسط العدد في الدول المشابهة، حسب إحصائية وزارة العدل مؤخراً، وقد أعلن قبل أيام - رئيس المجلس الأعلى للقضاء - معالي الشيخ: صالح بن حميد عن توفر ألفي وظيفة شاغرة للقضاة.

كما أن المجتمع بحالته الراهنة والقادمة بحاجة إلى أعوان القضاة، وكُتّاب العدل، وأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام، وأعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأعضاء هيئة التدريس في التعليم العام، إضافة إلى وظائف أخرى متعلقة بوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وإدارات الشؤون الدينية في القطاعات العسكرية، وأئمة المساجد وخطباء الجوامع، وغير ذلك.

إن إجراء مراجعة للخطة الدراسية في الكليات الشرعية بهدف مواكبة مخرجاتها لسوق العمل، والتركيز مع مخرج الدراسة النظرية مع الخبرة العملية، وإضافة مناهج الأنظمة القضائية الجديدة ضمن تخصصات الكلية، أمر في غاية الأهمية.. وقد أجرى أحد الباحثين إحصائية في هذا الموضوع، ذكر من خلالها أن عدد خريجي الكليات الشرعية (15972)، بينما يظل الطلب قائماً عليهم للسنوات العشر المقبلة إلى (116243).. فالمشكلة ليست في تلك الكليات ومخرجاتها، وإنما فيمن يلتحق بها، وقد يكون هذا الالتحاق لكل من هبّ ودبّ، نتيجة ضغط الأهل أو المجتمع أو الجامعة، لا سيما ونحن نعيش في بلد مفعم بالشباب، يمتلك المقومات والطموح مما يستدعي الحاجة إلى الاستمرار في التطوير والتجديد، ومراعاة التطابق بين الرغبة والموهبة، والتخصص والدراسة.. فالتميُّز في تلك المجالات أمر مطلوب فهو طريق نحو الإبداع إلى آفاق لا تنتهي بحدود.. فكم نحن بحاجة إلى تخريج علماء شرعيين للنهوض بالأمة، وإخراجها من حالة الحيرة والبلبلة والاضطراب، فالعامة تفزع إلى علمائها تلتمس لديهم جواباً كافياً شافياً، كما أنهم ورثة الأنبياء في الدعوة إلى الله والفتوى والتعليم والحسبة والإمامة والخطابة.

أخشى ما أخشاه، أن يندرج هذا التوجه في إطار السعي لتفريغ تلك الكليات الشرعية من مضمونها.. وإنهاء دور المؤسسات الدينية المتمثلة في تلك الكليات، وبالتالي التمهيد لإلغاء التعليم الديني من الأساس.. والحرص على عدم نشر الثقافة الشرعية المعتدلة التي دائماً ما تكون رديفاً للأمن والأخلاق والنمو والانتماء، فالعلم الشرعي هو الذي يحارب التطرف ويقاوم الإرهاب، فالتطرف له ظروف بعيدة عن العلم الشرعي من خلال خلق بيئة علمية معقدة قائمة على التحيُّز للهوى واتباع الباطل، فتنزل الأدلة - حينئذ - في غير موضعها، ويذهب بها مذاهب بعيدة.. فكلما فهم الإنسان دينه كلما كان أبعد عن ما يؤذي الناس ويلحق بهم الضرر, وإن أردتم فاقرؤوا ظاهرة الغلو وتطبيقاتها حين فقدت بوصلة العلم الشرعي الوسطي.



drsasq@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد