أسرة الشريدة ببريدة أسرة كريمة وعريقة لها ولأفرادها الأوائل والمعاصرين مقامات مشهودة سواء على المستوى السياسي أو العسكري للسنوات الأولى لهذا الكيان وكفى بالشهم محمد بن عبد الرحمن الشريدة - رحمه الله - خير شاهد فهو زعيم مدينة بريدة وأحد أشهر الرجال فيها ولد عام 1263هـ وتوفي في معركة جراب عام 1333هـ وكان جنب إلى جنب مع الملك عبد العزيز والأسرة تنحدر من جدهم عبد العزيز بن سليمان الملقب (شريدة) وحفيده هو عبد الرحمن بن يحيى بن عبد العزيز الشريدة المولود عام 1238هـ ببريدة وكان من تجارها ويعمل في تجارة الأبل والخيول - وما أشرفها من تجارة - بنى مسجداً عام 1330هـ ببريدة يعرف بمسجد كريديس نسبة إلى إمامه وقد خلّف أربعة عشر من الأبناء هم فهد ومحمد وهو أشهرهم ومنصور وهو أزهدهم ويحيى (أبو الأيتام) وإبراهيم وعبد الله وعثمان وحمود وسليمان وعلي وراشد وعبد العزيز وصالح وموسى ولهم أبناء وأحفاد كرام أما إبراهيم بن عبد الرحمن بن شريدة فقد تولى إمارة حجاج القصيم عام 1341هـ، حيث اختاره الأهالي على من سواه وقدموه للإمكانات الشخصية والذهنية ودرايته ومعرفته لمثل هذه الرحلات وقد كان موجوداً عدة زعماء من القصيم في هذه السنة إلا أنهم اختاروه للاعتبارات ذاتها وتجدر الإشارة إلى أن المسلمين قد منعوا من الحج لعدة سنوات للأحوال السياسية والأمنية, وهذه السنة 1341هـ تعتبر الأولى بعد المنع - فلما دخلوا نطاق الحجاز جاءت مطية عليها نجاب من الشريف حسين بن علي يحمل الأوامر لأهل نجد -، حيث كان على إمارة حجاج نجد مساعد بن سويلم - والأوامر تلك بأن يطووا البيارق وينكسوا السلاح ولا يكبروا!! ولأن حديثي عن الزعيم محمد بن عبد الرحمن الشريدة أحد وجهاء مدينة بريدة وفاتح بابها الشمالي للملك عبد العزيز وذي الحل والربط فيها... فكفى به من عسكري متطوع وفارس لا يشق له غبار وشجاع مقدام لا يهاب الموت ومن أجمل من ذلك كله عطفه على الفقراء والمساكين، فهد صاحب المقولة الشهيرة (قد بعت ما لدي من مخزون على الله) ومناسبة ذلك أنه أصحاب نجد عام 1327 هـ وهي المسماة سنة الجوع والمسغبة حتى إن الناس من شدة المسغبة أكلوا الأعشاب والعظام والنوى ونفذت الأطعمة وسقط الناس في الشوارع موتى وبلغ سعر العيش البر نصف ريال للصاع وهذا سعر عال جداً كما بلغ سعر خمس وزنات التمر بريال (سبع كيلو ونصف).
|
فما كان من رجل الفضل والشهامة والكرم محمد بن شريدة إلا أن تصدق بكمية من التمر تعتبر هي مخزونه - كونه وأهله - أسرة تجاريه وذات ثقل اقتصادي كبير شاطره أخوه منصور بن عبد الرحمن الشريدة، حيث بلغ ما أنفقا في يوم واحد ثلاثة آلاف وزنة من التمر (تعادل 4500) كيلو جرام وهي كمية كبيرة تعتبر إنتاج مزرعة أو مزرعتين كاملتين لا يكاد يدركها سوى بيت الشريدة ببريدة وأسرة أو أسرتان فيها.
|
ووزعا ذلك على الفقراء والمساكين وكل الناس فقراء في ذلك الزمان (1327هـ) هذا جزء من الواجب الإنساني للمحسن محمد الشريدة، أما عن الجانب العسكري والسياسي فله مقامات معروفة في عدة معارك منها (روضة مهنا) و(البكيرية) و(وادي الرمة) والطرفية الصغرى وآخرها معركة جراب 1333هـ، حيث قتل فيها رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته....
|
كما أنه صاحب اليد الطولى في دعوة الملك عبد العزيز والتنسيق معه لدخول بريدة ليلة 20 من ربيع الثاني الآخر لعام 1326هـ وكان معه في ذلك التدبير عبد الكريم بن ناصر بن جربوع وآل مبارك وآل رشودي وحامل الرسالة عبد الكريم بن عبيد وكانت بريدة تقع تحت سيادة الأمير محمد بن عبد الله أبالخيل (حسب رواية بعض المصادر منها كتاب (تذكرة أولي النهى) وكتاب لسراة الليل هتف الصباح لعبد العزيز التويجري...) فابن شريدة هو فاتح باب بريدة الشمالي في تلك الليلية التي غيّرت مجرى التاريخ....
|
كما أن الملك عبد العزيز يأنس في رأيه كثيراً سواءً عسكرياً أو اجتماعياً كما أنه يحظى بالقدر الكبير والتقدير العظيم من المؤسس من ذلك في إحدى المواجهات (روضة مهنا) صدرت توجيهات الإمام عبد العزيز ابن سعود بألا تشعل النار لأي غرض كان خلال المعسكر حتى لا يستدل عليهم الطرف الآخر (عبد العزيز بن متعب بن رشيد) ولأن محمد بن شريدة ذو كيف ومزاج صعب المراس وهو يعشق القهوة العربية ولا يرضى لها بديلاً فما كان منه إلا أن حفر حفرة صغيرة نوعاً ما وأوقد ناره وأخذ يعد القهوة بنفسه لنفسه فيما كان الملك عبد العزيز يتجول في المعسكر اهتدى لنار ابن شريدة ورائحة قهوته الزكية فسأل من أوقد النار وأعد القهوة فقيل له إنها لمحمد بن عبد الرحمن الشريدة فلم ينكر عليه ذلك !!....
|
يقول فهد المارك في كتابه (من شيم العرب) عن كرم ومروءة محمد الشريدة (أجل لقد وقف محمد بن شريدة بتلك الليلية (ليله الجوع) المدلهمة منادياً بصوته الجهوري قائلاً: أيها الإخوان كل من هو بحاجه للتمر فليأت إليّ.. واهباً إياه بلا ثمن فلبى الناس لهذا النداء وتزاحم الفقراء والمحتاجين عند باب ابن شريدة وظل يقسّم بينهم. ويذكر إبراهيم المسلم في كتابه (رجال من القصيم) أن الله يسر لابن شريدة رزقاً هو أضعاف مضاعفة لما أنفقه على الفقراء في تلك السنة... وقد جاءت قريحة جارهم وشاعر حيهم الشعبي (ابن علوان) مصوراً الموقف النبيل:
|
وقت جرى جوع به السعر محصور |
بان القصا من قِلْ ما ياجدوني |
وهنا يعلن النتيجة النهائية ويشهد على ذلك:
|
فازوا به اللي قدموا كل ميسور |
مثل الشريدة شي تشوفه عيوني |
|
أنا قصير محمد هو ومنصور |
دفع البلا بأموالهم يبذلوني |
ويشير إلى أنهم يبذلون ليلاً وسراً:
|
من طلعة النجمة لما قدة النور |
وصحونهم بأيمانهم ينقلوني |
ويختم بأن هناك من أشار عليهم بالبيع واستغلال الظروف لأن الأسعار نار:
|
باعوا على الله ما خذوا علم والشور |
لعلهم في بيعهم يربحوني |
رحم الله الفذ والوجيه والمواطن المخلص الشيخ الزعيم محمد بن عبد الرحمن الشريدة وأسكنه فسيح جناته فقد كان نموذجاً حياً لعينة نادرة من الرجال.
|
سليمان بن صالح العجلان - بريدة - المويه - فاكس: 063281249 |
|