لم تكن حادثة قتل الفتاتين أمام بوابة دار الرعاية هي الأولى في حياتهما، ولكن بالتأكيد كانت نقطة سوداء تنهي مجموعة من الاغتيالات التي تمتد على صفحة حياة غضة قصيرة وخاطفة كانتا تترقبان فيها حفرة وأدهما في أية لحظة.
قد نظن لوهلة ما بثبات ومتانة القوانين المدنية التي ساوت تماما في فرص التعليم والتأهيل والابتعاث والرواتب بين الأنثى والرجل، انطلاقاً من مبدأ التكليف الإلهي المتساوي بين المؤمنين والمؤمنات، لكن سيستوقفنا المشهد إلى حد الرعب عندما نصل إلى محصلة إحصائية نجد فيها أن المملكة تحتل مراكز متأخرة فيما يتعلق بحقوق المرأة وكرامتها. هذا يحيلنا إلى خلل ما في المعادلة، وأن هناك عملية تسرب وإخفاق كبرى بين المدنية وشروطها وقوانينها، وبين ما هو قائم في أرض الواقع.
هناك بوابة مازالت تهب برياح جافة محملة بالرمال والأتربة والعرف الصحراوي فتخنق المكان، الذي أهدر دم فتاتين في بواكير الصبا، قافزاً على القانون الإلهي المتعلق بهذه الحالات والذي يتطلب سلسلة من الضوابط الشرعية والشروط والقوانين فيما يتعلق بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة وحد الخطيئة بين قضاته وشهوده.
ما حدث أمام بوابة دار الرعاية هو الشكل الأبشع والأكثر تطرفا لسلسلة من عمليات النحر التي تمارس يوميا بعدة أشكال ضد الفتيات، فالفتاة التي تقصى عن التعليم وتدفع عزلاء إلى مؤسسة الزواج دون وعي أو خبرة أو تأهيل تنحر، والفتاة التي تكون مجرد رقم بين أعداد كبيرة من الإخوة والأخوات وزوجات متعددات ووضع أسري قلق ومشتت يهيمن عليه الفقر والجهل تساق إلى المقصلة، والتلويح بالزواج كطوق النجاة الوحيد للفتاة بعيدا عن تأهيلها بشكل تستطيع به المشاركة الاقتصادية في مؤسسة الزواج أو الاستقلال عنها في حال إخفاقها هو بحد ذاته وأد لكرامتها وإنسانيتها.
والفتاة التي ترفع في وجهها العوائق والحواجز التي تبعدها عن الوصول إلى لقمة مطهرة بالكرامة ومغلفة بالحرية الشريفة فهي معتقلة حية في قبر.
لم تكن الرصاصة التي انطلقت من مسدس الأخ إلا رصاصة الرحمة لسلسلة من مظاهر السحل والإقصاء والنفي، في مناخ يتنفس شكاً وريبة وعدم تقدير لها كذات مستقلة دون وصاية ومراقبة.
والسؤال الحارق الآن: هل نعيش في وضع تسود فيه الأحكام العرفية؟ حيث يقوم من يسمون أنفسهم بحراس الفضيلة بالتقاط الفتيات من الشارع دون محاكمة ودون إذن بالقبض عليهن على الرغم من القوانين الصريحة في هذا المجال من قبل وزارة الداخلية والمتعلقة بعدم التعرض للنساء تكريسا لمبدأ الستر ولعلم ولاة الأمر من التبعات السيئة المترتبة على هذا فيما يتعلق بالاستقرار الأسري والانضباط الاجتماعي؟
هل جزء من دم الفتاتين (الطفلتين) قد تلوثت به أيدي وأدمغة مهووسة مصابة بالوسواس والعصاب لا تجد في المرأة سوى مشروع خطيئة؟ في أي مكان تقصده أو تحل به؟
جريمة قتل الفتاتين أفجعت المجتمع.... والمجتمع يطلب بحكم ضد من تعدى على شرع الله وسعى في الأرض فسادا وقتل النفس بغير حق، المجتمع يطالب بالقصاص لمن تثبت إدانته.