تشكل شريحة الشباب السعودي من (سن 15-29 سنة) نسبة عالية من سكان المملكة العربية السعودية إذ تقدر بحوالي خمسة ملايين نسمة، وتحتل حوالي 30% من السكان، وتضم الشريحة طلاب وطالبات المرحلتين الثانوية والجامعية وحديثي التخرج، والموظفين والموظفات من .......
.......خريجي مؤسسات التعليم العالي الذين لا تزيد عدد سنوات توظيفهم عن ست سنوات، إضافة لغيرهم من المتوقفين والمتسربين من التعليم الثانوي والجامعي والخريجين الذين مازالوا يبحثون عن عمل.
ولهذه الفئة أهمية استراتيجية كبيرة في البناء الوطني لأنها تشمل شباباً في مرحلة التكوين العلمي والعملي والاجتماعي، كما أن هذه الشريحة ستشكل خلال سنوات قليلة نسبة عالية من القوى الوطنية العاملة في القطاعين العام والخاص.
وهذه الفئة -بفضل الله- محل الرعاية والاهتمام من قبل القيادة السياسية التي حرصت على توفير كافة الإمكانات البشرية والمادية، وتبنت جملة من المشروعات التعليمية الإستراتيجية بعيدة المدى، مثل مشروع الملك عبدالله للابتعاث الذي استفاد منه حتى الآن قرابة الخمسين ألف مبتعث، ومشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام الذي رصدت له الدولة 9 مليارات ريال، كما أن الأمر السامي الجديد الصادر قبل ستة أشهر بشأن المطالبة بالإسراع في النشاط الثقافي الشبابي، والتوسع في البرامج الاجتماعية والشبابية من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب يعطي دلالة كبيرة على حرص الدولة الكبير وتفهمها لمشكلات الشباب السعودي واحتياجاتهم في هذه المرحلة.
إن الجهود الرسمية الموجهة للشباب السعودي اليوم تصدرعن العديد من الجهات والهيئات الحكومية التي لا تنتمي لمرجعية وزارية موحدة، (رعاية الشباب + الثقافة والإعلام + أمانات المدن + هيئات الأمر بالمعروف + وزارة التربية..) وهذا أمر مفهوم من الناحية التنظيمية والإجرائية، ولكن تأسيس الهيئة العليا لشؤون الشباب سيتيح لهذه الجهات فرصة لتنسيق جهودها وتحديد الاختصاصات، والإفادة من إمكانات بعضها البعض، كما أنه سيعمق من التواصل بين قياداتها مما ينعكس إيجابا على مصلحة شباب الوطن بإذن الله.
وفي ظني أن معالجة مشكلات الشباب السعودي والسعي الجاد لتقديم الحلول لها يستدعي إعادة النظر في وضع الجهات الإشرافية المناط بها تأمين الرعاية الفكرية والتعليمية والترفيهية للشباب السعودي سعيا للوصول إلى تصور جديد يتواكب مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة ومع العدد الضخم للجيل الشاب من جهة أخرى.
وهذا ما دعاني للمطالبة عبر هذا المقال بدراسة مقترح تأسيس جهة إشرافية عليا تهتم بشؤون الشباب بحيث يوكل اليها ابتداء دراسة وتقييم الجهود المقدمة من الجهات الحكومية للشباب السعودي، سعيا لتشخيص مواطن النجاح ومواقع الإخفاق والعوامل المسببة للحالتين، ومن ثم تشرف هذه الهيئة على بلورة التوجهات الحميدة لدى القيادة السياسية في قضايا والشباب في برامج وخطط عمل محددة، وتتولى توزيع المهام والمسؤوليات وفق اختصاصات الجهات الحكومية المختلفة، وتعمل على تنسيق ولملمة الجهود الحكومية (المبعثرة في شؤون الشباب) في إطار مشروع أو حزمة مشاريع متعددة المسارات، وموزعة جغرافيا على مناطق المملكة وفق موارد المناطق وطبائعها الجغرافية والاجتماعية، واحتياجاتها السكانية.
كما أرى أن يوكل لهذه الهيئة مهمة الإشراف الكامل على الجهات البحثية المختصة بشؤون دراسة مشكلات الشباب في الجامعات والمؤسسات التربوية والاجتماعية (مثل مركز دراسات الشباب بجامعة الملك سعود + مؤسسة الملك عبدالعزيز لرعاية الموهوبين) بحيث تضع الهيئة أولويات البحث العلمي للقضايا الشبابية وتشرف عبر أعضائها على متابعة الدراسات الميدانية واستطلاعات قياس آراء الشباب إزاء القضايا التي تهمهم بغية الوصول إلى تحديد اتجاهات الشباب حيال القضايا المختلفة بشكل دقيق ومنهجي، مما يساعدها على رسم وتقييم خطط العمل في الجهات المعنية.
وهذه الهيئة في تصوري -لو وجدت- ستشكل الملاءة والمظلة الحيادية القادرة على احتضان ودراسة كافة القضايا العاجلة المطروحة في الرأي العام بشأن الشباب السعودي بحيث تقدم من خلال جهودها البحثية والاستطلاعية للمسؤولين في الدولة تصورات حقيقية قائمة على دراسات مسحية محكمة، ومبنية على توازن رشيد بين متطلبات الشباب السعودي (المعولم) وبين هوية المجتمع وتكوينه الثقافي، حتى تقضي على الصراع الفكري الذي تؤججه بعض الفئات هنا أو هناك مدعية كل جهة أنها الصوت المعبر عن الخمسة ملايين شاب سعودي!
ويكمن سر نجاح هذا المقترح في نوعية الشرائح التي سيوكل إليها النهوض به، إذ إن تعدد الخلفيات الثقافية والعلمية لأعضاء الهيئة يعطي ثراء وإضافة لأبحاثها وتوصياتها، كما أن المزج بين الشخصيات الاكاديمية والتربوية وتلك المعنية بالعمل الاجتماعي والثقافي (بكل وسائله) يشكل نقطة قوة للهيئة المقترحة، ولابد من تأسيس مجلس استشاري شبابي مساند للهيئة في النظر والتخطيط يكون كل أعضائه تحت سن الخمسة والعشرين عاماً حتى يعبروا عن تطلعات أبناء جيلهم ويوصلوا صوتهم المبحوح.
ولو توفر لهذه الهيئة الخبرات البشرية ذات الباع الطويل في العمل الاقتصادي لاستطاعت بإذن الله أن تقدم لرجال الأعمال والمؤسسات المصرفية مبادرات منخفضة التكاليف عميمة الفائدة تتبنى مشروعات تنموية تصب في صالح الشباب السعودي، سواء في الإجازة الصيفية أو غيرها.
انني أرى في تسابق الشباب السعودي وتهافتهم على المشاركة والحضور في الأنشطة والفعاليات الثقافية، والمسرحيات الهادفة، والمسابقات الشعرية والبطولات الرياضية دليلا على حجم الرغبة العارمة لديهم في الإفادة من الوقت، وباعثا للمخلصين من أبناء الوطن على ضرورة بذل المزيد من الجهد لهم، وشاهدا حسيا على حجم العطش الروحي والثقافي لدى إخواننا وأبنائنا.
كما أني عندما أطالع نتائج معظم الدراسات التي أجريت على الشباب السعودي التي تؤكد تذمرهم من ندرة أماكن الترويج المنضبط، وامتعاضهم من تضاؤل فرص العمل المتاحة أمامهم، وإحباطهم من محدودية التخصصات الجامعية والفنية المتواكبة مع رغباتهم، أشعر بالمرارة تجاههم مؤملا من الله أن يعين المسؤولين التنفيذيين في الهيئات الحكومية على تحقيق تطلعات ولاة الأمر من شباب الوطن.
مدير تحرير مجلة الدعوة
mhoshan2000@hotmail.com