قبل نحو 17 عاما، كنت قد قصدت مكتبة تجارية بالرياض، حرصت على لقاء مديرها من أجل العمل كبائع للكتب خلال مرحلة الدراسة الثانوية، حضرت بشكل يومي لمدة أسبوع بهدف مقابلة صاحبها من أجل وظيفة مسائية، وأتذكر إلى اليوم فضل عامل السنترال (المصري) في محاولة ترتيب الموعد، وحدث أن قابلت مدير المكتبة لدقائق، ووعدته أن أبقى في الدور الثاني حيث موقع بيع الكتب للتعلم، لم يكن بين البائعين في المكتبة إلا نصف سعودي!، واصلت على هذه الحال لأسابيع لكني لم أجد إجابة، وكتبت حينها أني مستعد لحمل الكتب فوق رأسي من المستودع إلى الدور الثاني!!
اعتذر لي مأمور السنترال (!) بأدب وقال لي (ما تتعبش نفسك). عرفت منه أيضا أن شبابا غيري حاولوا لكن (مافيش نصيب).
أتذكر أيضا أنني كررت المحاولة في أكثر من مكان ولمهن عادية مختلفة، وكان هناك أيضا شباب آخرون، أي أن الحاجز الاجتماعي لم يكن موجوداً لدى عينة كبيرة من الشباب للبحث عن وظائف بسيطة، وبالتأكيد فإن هذا الحاجز النفسي تلاشى اليوم كثيرا أمام الحاجة والواقع والانفتاح والرغبة في التجربة، لذا فإن فكرة العيب الاجتماعي ليست جادة على الدوام.
وزير العمل يحمل حقيبة ثقيلة ومتشعبة، لها واجهات ومواجهات عدة، لكن يسجل لكم معالي الوزير كسر التقليد الإداري وخروجكم في زيارات مفاجئة أمام كاميرات الصحفيين للعمل -خارج أوقات الدوام الرسمي- في مطاعم الوجبات السريعة.
لكن مسافة الحياة أبعد من ذلك، وحين يتم قبول طالب في كلية ليستهلك أربع سنوات أو أكثر من عمره في الحفظ والتدوين، ثم يتخرج ولا يجد وظيفة، لأن السماء لا تمطر وظائف، هذا لا يعني أنه خريج غير جاد في البحث عن عمل، ولا يعني أيضا حل كل المشاكل في سوق العمل بطاقية طباخ الوجبات سريعة.
طبعا، لا أعرف سر اختياركم لمطاعم الوجبات السريعة التي تقدم أقل الأجور للعاملين، مقارنة مع مطاعم الخمسة نجوم وكل النجوم الأخرى.
اليوم، وبعد هذه السنوات، أسأل أيها الوزير المحبوب، وصاحب التصريحات الصحفية النارية أحيانا، والمفرقعة أحيانا أخرى.
أسأل معاليكم، هل تعتقد أن تلك المشكلة السابقة التي واجهتها قد حلت في الجانب الآخر؟، أعرف كثيرين جدا اليوم يمرون بتجربة مشابهة بتجربتي بعد أكثر من عقد ونصف، فهل هؤلاء أيضا يحتاجون إلى طاقية الوجبات السريعة السرية.. حتى وإن كانوا مقتنعين بها أصلا..؟
حفظكم الله.
إلى لقاء..
* * *