Al Jazirah NewsPaper Sunday  12/07/2009 G Issue 13436
الأحد 19 رجب 1430   العدد  13436
ثقافة التطوع ومؤسسات العمل الخيري
سعيد بن محمد العماري

 

يعد العمل التطوعي أحد أهم عناوين التكافل الاجتماعي وسبيل الانخراط في العمل العام والشعور بالآخرين وتقديم المساعدة لهم بطريقة مباشرة، وأصبحت ثقافة التطوع حاجة اجتماعية ملحة، في ظل تنامي المجتمعات المدنية وازدياد أعداد المؤسسات والجمعيات الخيرية، والأهلية، وتراجع الموارد المالية.....

.... وبداية فإن التطوع فعل إنساني نبيل، والمتطوع من يمنح نفسه ووقته بكامل إرادته لأي شكل من أشكال خدمة المجتمع، وأكاديمياً فإن للتطوع تعريفات كثيرة منها أنه عملية إسهام المواطنين تطوعاً في أعمال التنمية، سواء بالرأي أو العمل أو التمويل أو غير ذلك، وهو الجهد الذي يبذله الإنسان من أجل مجتمعه أو من أجل جماعات معينة، وفيه يتحمل مسؤوليات العمل من خلال المؤسسات الاجتماعية القائمة إرضاء لمشاعر ودوافع إنسانية داخلية خاصة، تلقى الرضا والقبول من جانب المجتمع ودون توقع مقابل مادي مقابل جهوده.

والعمل التطوعي لا يتم في فراغ، لكنه بحاجة إلى التنظيم المحكم ليتمكن من تحقيق أهدافه بعيداً عن الارتجال والفوضى، ويستلزم ذلك توافر البنية التحتية والبيئية المشجعة على العمل التطوعي واستقطاب المتطوعين وتأهيلهم وتدريبهم وتزويدهم بالمهارات المناسبة للعمل ضمن الأهداف التي وضعتها المؤسسة التطوعية لنفسها، كما يجب أن يحقق العمل التطوعي آمال واحتياجات فئات المجتمع المختلفة.

وبهذا المفهوم تصبح ثقافة التطوع جزءاً من البناء الاجتماعي وجزءاً من ثقافة أي مجتمع ورافداً أساسياً من روافد توظيف الطاقات التي يمتلكها، وبالتالي تكتسب ثقافة التطوع وانخراط المجتمع بكل أطيافه في رفده والتداعي له أهمية كبيرة، ويعد سمة من سمات المجتمع ورقيه وعلامة على مدنية الإنسان وتحضره.

ولكن رغم كل ما تملكه ثقافة التطوع من مخزون تراثي وديني وما تحفل به الأدبيات التقليدية من إعلاء شأنه في المجتمع، إلا أن هذه الثقافة تظل غائبة بشكل كبير، ما يستلزم وجود عمل مؤسسي وإستراتيجية شاملة لاستقطاب المتطوعين وتدريبهم، وإتباع خطط إعلامية مساندة تساعد في إشاعة هذه الثقافة في المجتمع بدءا من الأسرة، والمدرسة، مروراً بالتدريب العملي وإدراج العمل التطوعي في المناهج الدراسية وإقامة الدورات للمعلمين وإشراك الأسر، وبموازاة ذلك يجب العمل على تخليص أفراد المجتمع من ازدراء العمل اليدوي والميداني، وحصر الوجاهة الاجتماعية في الأعمال المكتبية، بانتهاج إستراتيجيات فاعلة في إدارة العمل التطوعي تعتمد الإبداع والابتكار وتنأى عن التقليدية التي تطبع مسيرة كثير من الجمعيات الخيرية والتطوعية.

وهنا تقع على عاتق الجمعيات الخيرية في المملكة مسؤولية كبرى في إذكاء الاهتمام بالعمل التطوعي بحكم أنها ومن واقع ما تحتاج إليه من ترشيد في نفقاتها يمثل التطوع ركناً مهماً من أركان العمل فيها، وسبيلاً لنجاحها، وعليها أن تستفيد من كون الدافع الديني هو المحرك الأساس للتطوع في مجتمعنا السعودي، ولعل من أهم الركائز التي تدعم مؤسسات العمل الخيري فكراً وممارسة وتعظيم القيم المضافة الفعالة لها، وجود ثقافة نوعية تعزز العمل التطوعي على مستوى القيم والاختيار والأفعال والتصرفات وتنظم العلاقات بين القوى والفئات الاجتماعية المختلفة بما توفره من ضوابط ومعلومات لإشاعة ثقافة العمل التطوعي.

وعلى مؤسسات العمل الخيري مساعدة نفسها على تحسين أداء عمل المتطوعين من خلال جهاز إداري متعاون ومحل ثقة المجتمع، ووضوح أهدافها وبرامجها ومناسبتها لحاجة المجتمع وتوافق رغبة المتطوع مع أهداف المؤسسة ووجود هيكل وظيفي متكامل في المؤسسة أو الجمعية الخيرية وإعداد برامج تدريبية مناسبة للمتطوعين، ومتابعة مستوياتهم أولاً بأول، وتوجيههم نحو الأفضل، انطلاقاً من ديننا الحنيف الذي يحثنا على العمل التطوعي، ويثني على من يسخر نفسه لخدمة الآخرين ورسم الابتسامة على وجوههم والأخذ بأيديهم نحو طريق الصلاح والسداد.

وما من مجتمع إلا وفيه المحتاج والجاهل والمريض والمعوق، ومن يحتاج إلى مساعدة أو مال أو مسكن أو ملبس أو غيرها من أعمال البر، فعمل الخير باب واسع شريطة أن يكون خالصاً لوجه الله وأن ينبثق من نفس تواقة لإصلاح وخدمة المجتمع، وهو ما يتحقق بإذن الله من خلال العمل التطوعي الذي يحقق الترابط والتآلف والتآخي بين أفراد المجتمع حتى يكون كما وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم كالجسد الواحد.

كاتب وباحث في مجال تنمية الموارد المالية في الهيئات الخيرية


alammari.s@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد