قال سنان بن الفحل من بني أم الكهف من طيء، وخصمه هم بنو هرم بن العشراء من فزارة:
|
وقالوا: قد جنت؟ فقلت كلا |
وربي ما جننت، ولا انتشيت |
ولكني ظلمت، فكدت أبكي |
من الظلم المبين، أو بكيت |
فإن الماء ماء أبي وجدي |
وبئري ذو حفرت طويت |
تذكرت هذه الأبيات التي صدرت من عربي مقهور، استلوا ظلما وعدوانا على مائه وبئره التي حفرها بيديه حتى لم يعد يسيطر على نفسه وتوازنه فظنوه مجنونا، لا أدري لماذا تذكرت سنان بن الفحل حينما صرخ النائب الصهيوني (اريه الداد) في وجه النائب الفلسطيني جمال زحالقة قائلاً: إذا لم يعجبك الوضع اخرج وهاجر) بعدما عارض في الكنسيت يوم الثلاثاء 26 مايو - أيار الماضي إقرار مشروع قانون الاعتراف بيهودية إسرائيل وقد أقر بأكثرية 47 نائباً ومعارضة (34) وينص القانون على أن أي تعبير عن معارضة يهودية الدولة من شأنه أن يؤدي إلى كراهية أو تحقير أو الحنث بالولاء للدولة ومؤسساتها يعتبر مخالفة جنائية يعاقب عليها بالسجن لمدة عام.. هذه العبارة تطوح بآمال كثير ممن كان يراهن على نجاح المظهر الديمقراطي لإسرائيل على الجوهر العنصري، مما يفسر خوف العالم العربي من إقرار المشروع العنصري لأنه يحرم العرب من حقوقهم في الأرض وينسف كل الجهود في تحقيق مبادئ التعايش والسلام بين البشر على اختلاف مشاربهم على تلك الأرض.. إن التهجير القسري (الترانسفير) أسلوب مقرف لايليق بمرحلة تضافرت جهود العالم الشريف فيها لإحلال السلام ولكن هذا القانون يهدد حياة المليون ونصف المليون مواطن عربي فلسطيني، أصحاب الوجود الطبيعي والتاريخي في أرض آبائهم وأجدادهم، فضلاً عن أن (يهودية) الدولة ستشكل عقبة إضافية أمام عودة ستة ملايين لاجئ فلسطيني واستردادهم عقاراتهم المغتصبة، والتعويض بموجب القرار 194 الذي أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى اكتسب قوة القانون الدولي العام..
|
|
ياسنان الفحل أيها العربي الأبي قلت ما قلت عن بئر يمكن لك أن تحفر غيرها وتطويها كيفما شئت ولكن ماذا ستقول لو أن منزلك من الستين منزلاً في القدس التي وجهت حكومة نتينياهو لساكنيها إنذارات بالإخلاء استعداداً لهدمها ولو على رؤوسهم ومصادرة الأرض لبناء مستوطنات عليها لمهاجرين يهود للتو حضروا من الخارج منهم ستة عشر يهودياً يمنياً قيل أنهم تعرضوا لتهديدات ومضايقات، وكل ذلك ترجمة واقعية وميدانية لخطاب نتنياهو الأخير في جامعة بار إيلان في تل أبيب، وتزامن هذا مع مشروع سلطات الاحتلال ببيع ممتلكات الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948 وبقيت ممتلكاتهم تحت ما يسمى حراسة أملاك العدو، ليظهر الفرق بين مصطلحي الشعب والسكان فالأول للفلسطيني والآخر لليهودي..
|
|
إن رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني تصور حجم الآلام التي تكتنف الهجرة يا آريه، لن أتحدث عن تفاصيل الرواية ومافيها من وجع وغربة وتهجير واستغلال من المهربين لكي يصلوا إلى الكويت بحثاً عن حياة أفضل من فوضى المخيمات، كان ضحكات أبي الخيزران تفضح بقرفها الاحتلال والهجرة عن الوطن بعد أن وضع المهاجرين إلى الكويت في صفيح على ظهر سيارته كثيرة الأعطال حتى يعبر بهم الحدود، كان الوعد ألا يبقوا أكثر من دقائق ولكن أبا الخيزران وجد من أشغله بالحديث عن مغامراته الجنسية فنسي من أحرقتهم الشمس الحارقة في صفيحهم الذي تحول تنور من جهنم، ليختصر الألم الإنساني كله في هذا المقطع الذي يتحدث عن تخلص أبي الخيزران من الجثث المتفحمة (وحين لاحت أمامه أكوام القمامة سوداء عالية أطفأ الفانوسين الصغيرين.. كانت الرائحة النتنة قد ملأت الجو حواليه ولكنه ما لبث أن اعتادها.. ثم أوقف سيارته وهبط، وقف أبو الخيزران إلى جانب سيارته لحيظات ليتأكد من أن أحداً لا يشاهده ثم صعد ظهر الخزان: كان بارداً رطباً.. دور القفل المضلع ببطء، ثم شد القرص الحديدي إلى فوق فقرقع بصوت متقطع.. اعتمد ذراعية وانزلق إلى الداخل بخفة.. كانت الجثة الأولى باردة صلبة، ألقى بها فوق كتفيه، أخرج الرأس أولاً من الفوهة ثم رفع الجثة من الساقين وقذفها إلى فوق وسمع صوتها الكثيف يتدحرج فوق حافة الخزان ثم صوت ارتطامها المخنوق على الرمل، لقد لاقى صعوبة جمة في فك يدي الجثة الأخرى عن العارضة الحديدية، ثم سحبها من رجليها إلى الفوهة وقذفها من فوق كتفيه.. مستقيمة متشجنة وسمع صوت ارتطامها بالأرض.. أما الجثة الثالثة فقد كانت أسهل من أختيها..)
|
|
يا آريه هل تدرك حجم الكارثة في نفيك من وطنك ثم تدفن في قمامة؟؟ وهل تدرك أن الروائي غسان حينما أشار إلى تطمين أبي الخيزران لمن هم في الصفيح على ظهر سيارته أن بقاءهم لا يتجاوز الدقائق كان يشير إلى تطمين الأمهات والجدات في طوابير التهجير للمخيمات بأن بقاءهم لا يتجاوز ساعات حتى أن بعضهن تركت طعام صغارها على النار. وبعضهم لازال يحتفظ بمفتاح بيته في جيبه طيلة ستين سنة!!!! أملاً في العودة التي صارت ضرباً من المستحيلات الأربعة وحينما ختم روايته بسؤال أبي الخيرزان (لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟).. دار حول نفسه دورة ولكنه خشي أن يقع فصعد الدرجة إلى مقعده وأسند رأسه فوق المقود:-
|
لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقولوا؟ لماذا وفجأة بدأت الصحراء كلها تردد الصدى:- لماذا لم تدقوا جدران الخزان؟ لماذا لم تقرعوا جدران الخزان؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟
|
(كان يشير إلى أن طرق المتفحمين على صفحات الصفيح لا تجدي لأنه مشغول في حكايا ترف جنسي مع موظفي الحدود.. والأولى أن يكون عنوان روايتنا الجديدة (قضية في الشمس).
|
|
صدقا تعبت الألسن وملت الفضائيات من كثرة ما تحدثت عن عبثية التفاوض مع (إسرائيل) ليس لأن التفاوض محرم من حيث المبدأ، بل لسبب احتكام قادة (إسرائيل) وحكوماتها للأيديولوجية الصهيونية العنصرية الإلغائية، ولم يتحقق أي تقدم منذ مؤتمر مدريد قبل عشرين سنة، بل يشهد الواقع أن القضية الفلسطينية تراجعت أربعين سنة إلى الوراء، ولم يكن الإعلان عن يهودية إسرائيل ابتداء من خطاب رئيس الحكومة (الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو أمام جامعة بار إيلان في تل ابيب، قبل أسابيع بل إن المتتبع لمقتضى الحال يجد أن العقلية التوراتية والعهد القديم حاضرة في مفاوضات إسرائيل مع العرب التي تمت تحت غطاء ايديولوجي ابتداء من الفكرة الأيديلوجية التي تمسك بها هرتزل حينما بدأ نشاطه الصهيوني بإصداره كتيب (دولة اليهود) سنة، 1896 وعقد المؤتمر الصهيوني الأول على أساسه في السنة التالية في مدينة بازل السويسرية وقد تضمن برنامج بازل قراراً بالعمل على (إنشاء مؤسسات يهودية تمثل جهود اليهود وتربطها وتجمعها من أجل إنشاء الدولة العربية ومرورا بكامب ديفيد التي من شروطها السرية الاعتراف بفرسان مالطا (فرسان الهيكل)، وحكاية هذه الطائفة ودهاليزها السرية منذ الحملات الصليبية طويلة جدا والمقام لايليق لسردها وانتهاء بما تم الاتفاق عليه مع السلطة الفلسطينية من التنازل عن أريحا وغزة لاعتبارات ايديولوجية وهو وجود نص بالتوراة يدل على انهما معلونتان، وهو ما يحكم على إسرائيل ضرورة التخلص منهما، والنخب العربية تدرك أن التنازل كان بهدف الالتزام بما جاء بنص التوراة، والله من وراء القصد.
|
|