منذ عامين كان مؤشر السوق يقع تحت وطأة ضغط وحيد نتيجة التصحيح القاسي البادئ في فبراير 2006.. أما الآن فهو يقع تحت وطأة ضغوط عديدة ومتعددة؛ فالتصحيح لا يوجد ما يؤكد انتهاؤه حتى الآن.. ثم الأزمة المالية التي تلقي بظلالها على أداء الشركات المحلية والتي بدأت تأخذ منحنى سلبيا جديدا بالكشف عن حجم خسائر المستثمرين السعوديين فيها.. ثم اضطراب أسعار النفط الذي أصبح يمثل ضغطا غير عادي على قطاع البتروكيماويات.. ثم مخاوف الركود الاقتصادي المتوقع استمراره ومن ثم القلق من إفلاس أو تصفية بعض الشركات ذات الأوضاع المالية السيئة بالسوق.. وفوق هذا وذاك القلق من تراجع السيولة خلال فترة الصيف، والأسوأ أن صيف هذا العام سيمتد إلى أكتوبر لأنه يحوي شهر رمضان المبارك داخله، أي أن أمامنا ثلاثة أشهر من الآن تمثل فترة ركود للتداول بالسوق.. وأكثر من كل هذا، انتشار إنفلونزا الخنازير بات يحاصر الأداء الاقتصادي للشركات كما تحاصر الأفراد داخل المدن.. وإذا كانت البورصات الأمريكية والأوربية سجلت أداءً سلبياً على مدى غالبية أيام هذا الأسبوع، فإن أداء مؤشر السوق المحلي لا يعتبر غريبا مقارنة بالأداء السلبي العنيف لكثير من كبريات البورصات العالمية.. وقد ازداد الأمر سوءا هذا الأسبوع بالإعلان عن دعاوى الإغراق الصينية والهندية في مواجهة الشركات السعودية التي بدأت تثير مزيدا من المخاوف على تراجع مبيعات شركات البتروكيماويات، ومن ثم مزيد من الضغط على نتائج أعمالها.. إلا أنه بين كل هذه المثبطات، بدأت بعض البنوك تعلن نتائج أعمال إيجابية إلى حد ما.. أما مفاجأة هذا الأسبوع فهي الإعلان عن اتفاقية لبناء مؤشرات داو جونز للسوق السعودي، فما هو مدلول هذه الاتفاقية؟ وما الوافد الذي يستدعي هذه الخطوة الآن بالتحديد؟
المؤشر السعودي والبورصات العالمية
خسر مؤشر السوق السعودي هذا الأسبوع حوالي 3.3% من قيمته، ورغم ذلك فإن مساره لم يكن هابطا بشكل متواصل بل تخللته ارتدادات تنمّ عن سعيه للتماسك.. والأمر المستغرب هذا الأسبوع أن مؤشر داو جونز الأمريكي خسر نسبة مقاربة لخسائر السوق السعودي، حيث خسر 3.2% خلال الفترة (1/7 إلى 7/7)، في حين خسر مؤشر نيكاي 3.1% خلال نفس الفترة، وخسر مؤشر فستي 100 نحو 1.5%.. أي أن البورصات العالمية سواء الآسيوية أو الأوروبية أو الأمريكية أحرزت خسائر بنسب مماثلة تقريبا.. أي أن لهذه الخسائر تأثيرا نفسيا قويا على السوق السعودي.. ومن ثم فإن خسائر السوق السعودي تعتبر منطقية في ظل فترة تنتاب الاقتصاد العالمي ككل اضطرابات عنيفة.
دعاوى الإغراق.. ضغط جديد على البتروكيماويات
البعض يفسر بالخطأ أن دعاوى الإغراق ستمكّن الشركات السعودية من بيع منتجاتها بأسعار أعلى في الأسواق المرفوع فيها دعاوى الإغراق، إلا أن هذا ليس صحيحا، وإذا تم إثبات هذه الدعاوى كما حدثت في حالة سبكيم، فسيتم فرض رسوم حمائية من قبل الحكومة الصينية كما حدث مع منتج البيوتانديول بعد التحقيق المبدئي، وهنا سيصبح سعر المنتج المحلي قريبا أو ربما أقل من سعر المنتج السعودي، وعندها قد يتم حجب الصادرات السعودية نتيجة أن المنتجات ستصبح أرخص نسبيا.. أي أن الرسوم الحمائية للإغراق هنا تعطي أفضلية لأسعار المنتجات الوطنية الصينية، وبشكل قد يتسبب في خسارة المنتجات السعودية لأسواقها.. وجميعنا يعلم أن السوق الصيني يعتبر من أكبر أسواق منتجات البتروكيماويات السعودية.. لذلك، فإن الأمر مهم جدا ويستدعي التعامل بحكمة شديدة لتجاوز هذه المحنة بدون خسارة السوق الصيني المتسع، وخاصة بمعرفة أن السوق الصيني يعتبر ربما أكبر سوق للصادرات السعودية تقريبا باستبعاد الصادرات النفطية.. الأمر المفاجئ هو إعلان الهند أيضا وبقوة دعاوى إغراق والسعي للبت فيها سريعا بفرض رسوم حمائية مرتفعة. إن الأمر يخرج عن كونه مجرد حماية من الإغراق إلى ربما السعي لإعطاء تفضيلات للمنتجات الوطنية كأحد سبل لمواجهة الركود الداخلي في هذه الدول، وتعتبر الولايات المتحدة هي من قادت هذا الاتجاه منذ عدة أشهر تحت شعار (اشتر ما هو أمريكي).
التوجه إلى بناء مؤشرات داو جونز سعودية.. لماذا؟
أبرمت شركة تداول اتفاقية مع شركة داو جونز للمؤشرات تهدف إلى تطوير المؤشرات المالية الخاصة بسوق الأسهم السعودي، وقد أثارت هذه الاتفاقية الكثير من الجدل لأنها فتحت العديد من التساؤلات: أولا لماذا التفكير الآن في مؤشرات جديدة للسوق المالية، ومؤشراتها الحالية لم يمر عليها أكثر من عام؟ ثم لماذا مؤشرات جديدة ونظام تداول الحالي لا يزال حديثا على المتداولين؟ حتى أن بعضهم لم يستوعبه حتى الآن؟ ثالثا لماذا الاهتمام بمؤشرات دولية للسوق الآن؟ إننا يمكن أن نربط بين التداولات الزهيدة جدا للأجانب سواء من غير العرب المقيمين أو حتى تداولات الأجانب عبر اتفاقيات المبادلة، تلك التداولات التي حسب آخر تقرير شهري (يونيو) لم تزد مجتمعة عن نسبة 0.78% من إجمالي قيمة التداول.. فتداولات الأجانب عبر اتفاقيات المبادلة لم تزد عن 867 مليون ريال خلال شهر كامل، وهي قيمة لا تذكر بجانب قيمة التداول الإجمالية للسوق بنحو 149.3 مليار ريال.. أي أنه يمكن استنتاج وجود فشل لاتفاقيات المبادلة في جذب الأجانب غير المقيمين للسوق.. وفي اعتقادي أن تصميم اتفاقيات المبادلة كان بمثابة نوع من جس النبض للأجانب في الإقبال على السوق المحلية من عدمه.. ويبدو أن شركة تداول اكتشفت أن الأجانب لم يقبلوا على السوق بشكله الحالي، وربما اكتشفت أيضا أن أحد أهم أسباب عدم قبولهم للسوق هو أن مؤشراته محلية، وعادة ما يتشكك المستثمرون الأجانب في المؤشرات التي يتم بناؤها من خلال جهات محلية، ولا ينطبق هذا على المملكة فحسب، بل على كافة الدول النامية، أي أن الهدف من هذه الاتفاقية الجديدة هو السعي لبناء مؤشرات دولية للسوق السعودية، وهي في حد ذاتها خطوة تمهيدية لفتح السوق كلية أمام الأجانب غير المقيمين، ليس من خلال اتفاقيات المبادلة فحسب، ولكن من خلال السماح لهم بالتداول المباشر بالسوق.
الأسهم الاستثمارية النظيفة
الآن غالبية المستثمرين يطرحون سؤالا واحدا: في أي أسهم نستثمر؟ وما هي الأسهم الآمنة التي يمكن أن نضع فيها أموالنا ونغيب عن السوق؟ إن تصحيح فبراير 2006 كشف أمورا غريبة بالسوق، أهمها أن السوق ينقسم على نفسه إلى أسهم استثمارية وأخرى مشكوك في استثماريتها، وكلا القسمين ينقسم إلى أسهم قديمة وأخرى جديدة.. وللتسهيل وبشكل تقريبي، نسعى هنا إلى إعطاء أمثلة على كل قسم:
- أسهم استثمارية قديمة، مثل سابك والبنوك وغيرها.
- أسهم استثمارية جديدة، مثل الأسهم المطروحة حديثا وتمتلك فيها الدولة حصصا كبيرة.
- أسهم مشكوك في استثماريتها قديمة مثل بعض الأسهم الزراعية.
- أسهم مشكوك في استثماريتها جديدة مثل بعض أسهم قطاع التأمين.
د. حسن الشقطي
محلل اقتصادي
hassan14369@hotmail.com