تستعيد كل سمعته من أساتذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتسترجع ما تعرفه وما درسته من نظريات وحتى بديهيات تحكم علاقات الدول فتعجب من غرابة العلاقة بين الكيان الإسرائيلي ومجموعة الدول الغربية، وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، فهذه العلاقة لا تحكمها نظريات ولا بديهيات ولا حتى منطق.. علاقة شاذة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالذي نعرفه أن بعض الدول والكيانات الصغيرة والضعيفة تتسم علاقاتها بالتبعية للدول الأكبر منها ذات النفوذ السياسي والاقتصادي ونتيجة اعتماد الصغير على الكبير.. وهذا ملاحظ ليس في علاقات الدول فيما بينها، بل حتى في علاقات الأفراد. وهذا مفهوم إلا الذي لا يفهم معنى تبعية الكبار للصغير في العلاقات الغربية الإسرائيلية. والتي تظهر فيها دول أوروبا الغربية وأمريكا ضعيفة في مواجهة طغيان وتعنت إسرائيل، بل وتماديها في الصلف ومخالفة القوانين والأعراف الدولية، بل وحتى في تعامل المسؤولين الإسرائيليين مع نظرائهم الغربيين، أمريكان وأوروبيين، فالإسرائيلي -وفي كثير من المواقف- يتعامل مع الأوروبي وكأنه (السيد) الذي يجب أن تحترم كلمته مثلما كان المستوطنون البيض يعاملون المواطنين الأفارقة.. تعامل السادة مع العبيد...!!
ولقد كشفت مسألة إصرار الكيان الإسرائيلي على مواصلة إقامة المستعمرات (المستوطنات الصهيونية) على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لهذا المسلك الشائن، فالأمريكيون والأوروبيون وكل من تداخل وسعى ويسعى لتحقيق تسوية سلمية في المنطقة، تأكد لهم أن وجود المستعمرات (المستوطنات الصهيونية) على الأرض الفلسطينية تعني استحالة إقامة دولة فلسطينية يمكن أن تستمر وأن تتمكن من البقاء في ظل وجود هذه المستعمرات التي جزأت الأراضي الفلسطينية وقسمتها، وعزلت المدن وحتى القرى الفلسطينية عن بعضها البعض، فتحولت إلى جزر وكونتونات لا يمكن أن تتواصل فيما بينها بسبب هذه المستعمرات التي يريد الإسرائيليون فرضها وجعلها واقعاً دائماً ويعملون ليس على توسيعها فقط، بل إقامة المزيد منها، وهذه المستعمرات ما لم تُزَل وتعالج مع إزالة الحاجز العنصري فلا فائدة من أي حديث عن إقامة دولة فلسطينية..!!
هذه حقيقة توصل إليها الأمريكيون والأوروبيون وعندما أفصحوا عن هذه الحقيقة التي يعرفها الجميع، ثارت ثائرة الإسرائيليين.. بل إن الإسرائيليين لا يسمحون حتى بمجرد إبداء رأي أو ملاحظة لا تتوافق مع مخططاتهم، مثلما حصل مع ممثل الاتحاد الأوروبي في الكيان الإسرائيلي الذي أصدر بياناً جاء فيه أن الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية يخنق الاقتصاد الفلسطيني.
كلام صحيح، ويعرفه الإسرائيليون قبل الأوروبيين الذين أفشلت المستعمرات (المستوطنات الصهيونية) كل جهودهم لمساعدة الاقتصاد الفلسطيني) هذا الكلام الصادق الذي حمله البيان الأوروبي أغضب (السيد الإسرائيلي) فتم استدعاء ممثل الاتحاد الأوروبي من قبل نائب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية (رافي برك) ووفقاً لما ذكرته صحيفة أحرونوت العبرية قام (السيد الإسرائيلي) بتوبيخ السفير الأوروبي لبيانه الصادق..!!
أما في بروكسل، فقد استدعت ممثلية الاتحاد الأوروبي سفير الكيان الإسرائيلي في بروكسل.. (ران كورتيل) الذي اجتمع كما تذكر نفس الصحيفة مع مسؤول كبير في ممثلية الاتحاد الأوروبي وأبلغه أن ممثلية الاتحاد الأوروبي برئاسة (بينيوتوفريرو) تقدم اعتذاراً رسمياً على بيان ممثلها في تل أبيب، وأنه قرر سحب البيان من جميع مواقع الاتحاد الأوروبي على شبكة الإنترنت..!!
توبيخ.. واعتذار عن بيان صادق.. بماذا يفسر سوى بتبعية الكبار للصغار..؟!!
jaser@al-jazirah.com.sa