لنسأل أياً من طلاب أو طالبات الجامعة في سنتهم الأولى -مثلاً- حول ما يعرفونه عن دولة مثل: كازخستان، أو دور بعض منظمات الأمم المتحدة؛ مثل اليونسكو، أو عن آلية العمل المتبعة في الأمم المتحدة، أو يمكن لنا أن نكون أقل تعقيدا، وهو ما اتبعناه أنا وأعضاء إحدى اللجان التي كانت مسؤولة عن مقابلة متقدمات لشغل وظائف معيدات في بعض أقسام الجامعة وبسّطنا المسألة
ومع ذلك لم تتمكن 95% من المتقدمات وكن خريجات جامعيات من كليات البنات ومن جامعة الملك سعود من معرفة اسم وزير التربية والتعليم السعودي، أو الفرق بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، وهو الأمر الذي أكدته إحدى الدراسات التي تمت عام 1425 (د. ريما الجرف) على طالبات المستوى الأول لإحدى الكليات؛ حيث أظهرت تلك الدراسة جهل الطالبات بالكثير من المفردات التي يسمعنها تتردد في الإعلام مثل: الأقليات ومجلس النواب أو الآلية للانتخابات أو مشاركة المرأة من عدمها في انتخابات المجالس البلدية السابقة أو القادمة في السعودية.
ومحدودية المعرفة أو الانفتاح على المفاهيم العالمية ليس قصرا على الطالبات فقط بل هو الجزء المشترك الذي يمثل الغالبية وليس فقط من الطلبة بل من المعلمين والمعلمات وهو ما أظهرته دراسة د. عزيزة المانع لبعض المعلمين والمعلمات في مدارس التعليم العام؛ حيث ظهر من الدراسة أن أكثر من نصف العينة من المعلمين لم يسمعوا أصلا بتعليم يقدم أيا من المفاهيم العالمية. في حين أشارت شريحة من هؤلاء المعلمين إلى تخوفها من أن يؤدي هذا النوع من التعليم إلى التقليل من الاعتناء بالثقافة العربية وهو ما يخلق نوعا من التردد للحفاظ على الهوية، ويعد ذلك تعبيرا عن حالة الصراع بين الانفتاح على المفاهيم العالمية والحفاظ على ثقافة المجتمع.
وتفاعل الثقافة بمؤسساتها المختلفة مع مفاهيم عامة وإنسانية، وتأكيدها ضمن برامجها سواء في المسجد أو المدرسة أو الإعلام أمر ضروري لا مناص منه في عصرنا الحاضر غير أن الدراسات المحلية التي بدأت الجامعات السعودية توجه عنايتها نحوها تؤكد غير ذلك ففي
دراسة للباحثة سمر العريفي حول مفاهيم التعايش الإنساني في المرحلة المتوسطة ودورها في الحد من ظهور بعض المشكلات في تفاعلهن الاجتماعي (2009) وجدت الباحثة أن من الأمور التي مازال النظام التعليم يعاني فيها قصورا هو التعامل مع البعد العالمي ومع المفاهيم الخاصة بالتعايش الإنساني سواء تجاه الثقافة المحلية أو المجتمعات الخارجية. وتلعب في العادة المناهج الدراسية دورا كبيرا في استعراض هذه المفاهيم ومناقشتها مع الطلبة وخاصة في مواد الدراسات اللغوية والاجتماعية والتاريخ وهو الأمر الذي لم يتحقق أيضا ففي دراسة لتحليل محتوي مناهج التاريخ في التعليم العام وجدت الدكتورة ريما الجرف أن هذه المناهج لم تمنح البعد العالمي سوي 1،5 فقط من مجموع الموضوعات المقررة في المنهج الدراسي لمادة التاريخ كما أشارت دراسة مياز الصباغ عام 1424 والتي تمت بين طالبات المرحلة الثانوية إلى عدم وجود وعي كاف بأبعاد فكرة التفاهم العالمي وضعف اهتمام الطالبات بالشؤون الدولية وعدم توجيه أي من الأنشطة من قبل المعلمات إلى أية أبعاد ذات علاقة بالبعد العالمي.
كما أشار تقرير اليونسكو عن التربية في القرن الواحد والعشرين إلى التحديات التي تواجهها النظم التربوية في هذا القرن والمتلخصة في أشكال ثلاثة:
التوتر في المواطنة بين العالمي والمحلي، التوتر في الثقافة بين الكلي والخصوصي، والتوتر في التغيير بين التقاليد والحداثة.. في المقابل يؤكد الكثير من الدارسين وبالذات في مجال دراسات العولمة على تنامي اتجاهات مضادة لمفاهيم المواطنة المحلية ووضوح هذه التحديات في مختلف الثقافات حيث تتعرض الأيدلوجيات والسلطات وبخاصة في المجتمعات التقليدية لتساؤلات كثيرة عن شرعيتها وحدود حقوقها مقابل حقوق المواطنة التي أصبحت عالمية المعني والتي تؤكد على المفاهيم الخاصة بالمواطنة العالمية في مقابل مفاهيم المواطنة المحلية ودور كل ذلك في تشكيل الولاء الشخصي والعام لدى الفرد والجماعات في معظم المجتمعات التقليدية.
الكثير من الدراسات التتبعية في هذا المجال أوضحت أن ولاء الأفراد في الكثير من ثقافات العالم، وحتى سنوات قريبة، كان مركزا على المجتمعات والانتماءات المحلية والطائفية في حين تتعدد في الوقت الحاضر مصادر الانتماء ويتنوع مستوى الولاءات أي كيف أعرف نفسي وأجدها بالنسبة لما حولي من مؤثرات، وهكذا لم تعد الأسرة أو المدرسة أو القبيلة أوالمجتمع المحلي على أهميتها جميعا هي المصادر الوحيدة لتشكيل المرجعيات الثقافية والانتماءات الفردية والعامة..هناك تيارات عامة وشاملة من القيم والاتجاهات وأنماط السلوك والأكل والشرب تجمع كل شباب العالم، ومن خلالها يجدون المشترك الذي يساهم في إيجاد روافد إضافية لتشكيل هوياتهم الذاتية والعامة.
وعملت وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة على نشر هذه الاتجاهات ودعمها بين الشبيبة، كما وحدت الكثير من الاهتمامات والقضايا ولم تعد الحدود الجغرافية أو الإمكانات الشخصية هي من يحدد مساهمة الشخص في أثراء الثقافة العالمية، بل أضحت المؤثرات الخارجية وشبكة الاتصالات هي الأقوى حضورا فواحدة مثل سوسن بولينج (الانجليزية ذات الثمانية والأربعين والقادمة من قريتها النائية لتشارك في برنامج المواهب البريطانية) ما كان لها أن تحصل على هذه الملايين من المستمعين لولا أجهزة الاتصال الحديثة التي جعلت سوسن بين ليلة وضحاها أشهر المطربات الكلاسيكيات في العالم، وما يحدث في إيران ما كان له أن يصل للعالم ويخلق تعاطفا مع حركة التغيير التي يقودها المصلحون في طهران من غير مساعدة وسائل الإعلام.
إذن.. هناك هذه المؤثرات العالمية التي يجب أن نأخذها بعين الاعتبار عند تدريس مفاهيم المواطنة التي تتعرض لتحديات حقيقة في عصر العولمة يجب مناقشتها وتفهم عواملها من قبل المعلمين ومشرفي المناهج الدراسية وصناع القرار وذلك لتأكيد أهمية البعد الوطني المحلي إضافة إلى العالمي حتى لا يكون هناك تشوه للأطر الثقافية المحلية مقابل العالمية التي تضخها وسائل الإعلام بكل السبل الممكنة، كما لا يكون هناك إهمال أو تجاهل للمفاهيم العالمية كما تظهره مناهجنا وبرامج المؤسسات المحلية.
نحن بحاجة إلى أن نكون مواطنين عالميين فاعلين في القرن الواحد والعشرين، ولن يغفر لنا أحد جهلنا فالعالم قرية كونية واحدة تتوحد مصالحها الاقتصادية والسياسية والبيئية ونحن جزء من هذا التوحد ومن الضروري أن نكون معدين لمواجهة الصراعات في هذه الأطر الثقافية على المستويين المحلي والعالمي وفي ذات الوقت نسلح الشباب بالمعرفة والانفتاح المطلوب لمعالجة متغيرات العصر دون تشنج.