أكد المؤتمر العربي الثاني عشر لقيادات مكافحة الإرهاب في تونس على ضرورة معالجة الفساد والفقر والتخلف، لدرء أخطار الفساد في تعزيز الفقر وتحفيز الإرهاب. فالمواجهة الأمنية والفكرية وحدهما لا تكفي لمعالجة ظاهرة الإرهاب.
بل لابد من المواجهة الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى ما سبق عن طريق تقديم التوصيات والدراسات، والتي يمكن أن تكون لها علاقة مباشرة، أو غير مباشرة ببروز ظاهرة الإرهاب، حتى نتقدم خطوة على طريق تفعيل المواجهة مع الإرهاب.
وأذكر جيدا أن الإستراتيجية الوطنية لحماية الفساد التي سبق الموافقة عليها بقرار من مجلس الوزراء رقم (43) وتاريخ 1-2-1428هـ، دعت إلى سرعة إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد تنطلق من الدين الإسلامي عقيدة وشريعة ومنهج حياة، وتعزيز التعاون بين الأجهزة الحكومية إلى جانب محاربة الجريمة المنظمة بكافة أشكالها عبر الحدود الوطنية، وتتبع مفاهيم وصور الفساد الحديثة والحد من انتشارها، كذلك تعزيز تعاون المملكة مع الدول انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية.
ولتحقيق هذه الأهداف كشفت الاستراتيجية ضرورة اتخاذ الهيئة جملة من الوسائل، أهمها:
1- تشخيص مشكلة الفساد في المملكة عن طريق:
- تنظيم قاعدة معلومات وطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد تشمل جمع الوثائق، ورصد المعلومات والبيانات والإحصاءات الدقيقة عن حجم المشكلة وتصنيفها وأسبابها وأنواعها وآثارها وأولوياتها ومدى انتشارها زمنياً ومكانياً واجتماعياً.
- رصد ما ينشر في وسائل الإعلام عن موضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
- إتاحة المعلومات المتوافرة للراغبين في البحث والدراسة.
2- قيام الأجهزة الحكومية المعنية بممارسة اختصاصاتها لحماية النزاهة ومكافحة الفساد عن طريق:
- تزويد الأجهزة الضبطية والرقابية والتحقيقية والقضائية بكافة المعلومات التي تعينها على أداء مهامها.
- تمكين الأجهزة المختصة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد من الاستقلال الإداري والمالي.
- تقليص الإجراءات وتسهيلها والتوعية بها ووضعها في أماكن بارزة حتى لا تؤدي إلى الاستثناءات غير النظامية.
- التأكيد على عدم التمييز في التعامل وعدم النظر إلى المركز الوظيفي أو الاجتماعي للشخص.
- العمل بمبدأ المساءلة لكل مسؤول مهما كان موقعه وفقاً للأنظمة.
- سد الثغرات التي تؤدي إلى ولوج الفساد في الرسوم والمستحقات المالية والغرامات.
- تعويض من تضار حقوقهم ومصالحهم من جراء الفساد بعد ثبوت ذلك بحكم قضائي نهائي.
3- إقرار مبدأ الوضوح (الشفافية) داخل مؤسسات الدولة:
- التأكيد على مسؤولي الدولة أن الوضوح وسيلة فاعلة للوقاية من الفساد.
- عدم اللجوء إلى السرية إلا في المعلومات التي تمس السيادة والأمن الوطني.
- وضع نظام لحماية المال العام.
- توضيح إجراءات عقود مشتريات الحكومة والمؤسسات العامة والشركات المساهمة، وإعطاء الجمهور والمؤسسات المدنية ووسائل الإعلام حق الاطلاع عليها ونقدها.
- كفالة حرية تداول المعلومات عن شؤون الفساد بين عامة ووسائل الإعلام.
4- مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
5- توعية الجمهور وتعزيز السلوك الأخلاقي.
6- تحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية عن طريق:
- إيجاد الفرص الوظيفية في القطاعين العام والخاص بما يتناسب وعدد السكان والخريجين والاهتمام بتأهيلهم لسوق العمل.
- الحد من استقدام العنصر الأجنبي.
- تحسين مستوى رواتب الموظفين والعاملين وبخاصة المراتب الدنيا.
7- تعزيز تعاون المملكة العربي والإقليمي والدولي لحماية النزاهة ومكافحة الفساد.
لا شك أن قرار مجلس الوزراء بالموافقة على الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، خطوة مهمة إلى الأمام في طريق الإصلاح، أتت في وقت نحن في أمس الحاجة إليها لتفعيل الأداء الحكومي. وسيستمر أثرها الإيجابي على مجالات التنمية المختلفة في بلادنا سنوات طويلة، لأنها اتخذت بعد أن علم أين مكمن الخلل وسبب المشكلة، مما سيؤدي إلى تفاعل كافة شرائح المجتمع لنجاح هذه المهمة الصعبة، ومكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره، وتحصين المجتمع السعودي ضد الفساد بالقيم الدينية والأخلاقية والتربوية. إلى جانب توجيه المواطن والمقيم نحو التحلي بالسلوك السليم واحترام النصوص الشرعية والنظامية، وتوفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع.
إن الفساد داء عضال يجمعه المصالح الفاسدة، ومكافحته تحتاج إلى نية صادقة وطول نفس. يضاف إلى ذلك ضرورة إيكال أمر مكافحته لمن عرف عنهم قوة مع تعفف، وحسن إدارة مع الدراية ممن لا شائبة في سيرهم.
drsasq@gmail.com