Al Jazirah NewsPaper Saturday  11/07/2009 G Issue 13435
السبت 18 رجب 1430   العدد  13435
بين الكلمات
الفن مرآة لحياة الشعوب
عبدالعزيز السماري

 

تنقسم المجتمعات الإسلامية في الموقف من الفن والموسيقى، ويأتي هذا الموقف نتيجة إما لتباين في الموقف الفقهي منهما، أو لوجود جذور للفن في ثقافة المجتمع لا يمكن التلخص منها ولو بأشد الفتاوى تحريماً لها، لذلك يظل الفن بكل ما يحمل من تقاليد وممارسات وسلوكيات مرآة لكثير من خفايا المجتمع، وقادراً على تقديم أوضح الصور القطعية عن حياة الناس.

فعلى سبيل المثال كشف الفنان شعبان عبدالرحيم عن وجوه إحدى الصور الحقيقية في المجتمع المصري، والمغايرة لتلك الصورة المخملية التي كان يقدمها مطربو النخبة في فترة الستينيات في مصر، فخرج الفنان الشعبي بكلمات وسلوكيات وآراء وتعابير سياسية مختلفة نوعاً ما عن الفترة الكلاسيكية، وأعطى صورة مكبرة مئات المرات عن حقيقة الإنسان في بعض طبقات المجتمع المختلفة تماماً عن مرحلة كانت تحكمها تقاليد طبقة النخبة.. وهو ما يعني أن النخبة والخاصة المصرية تضاءلت تأثيراتها على المجتمع، وصارت محصورة في زاويا بعيدة عن الأنظار.. في ظل صعود جماهيرية الموسيقى والكلمات الشعبية..

لكن الوضع في السعودية كان يسير في اتجاه آخر؛ ففي فترة السبيعنيات كان للفنانين غير الرسميين أمثال فهد بن سعيد وسالم الحويل شعبية طاغية، برغم من منعهم من الخروج على القنوات الرسمية، وكانوا يقدمون ثقافة شعبية لا تتفق كثيراً مع أذواق النخبة، ويقدمون من خلال أغانيهم كلمات أكثر حضوراً وتخلوا من المجاز والتورية، لكنها لم تتجاوز محاور الهوى والعشق، وإن كانت تعابيرها صارخة، وتحظى بشعبية ضاربة عند بعض الفئات، وكان يتم الاحتفال بذلك الفن في حفلات شعبية بعيدة عن الأنظار، لكنها ممارسات تم إطفاؤها تدريجياً بخروج تيار الصحوة وانتشارها بين الفئات الشعبية.. مما فتح المجال للطبقات المخملية والخاصة في احتكار الصورة الإعلامية، ثم إعادة إنتاج الفن الشعبي، وتقديمه بلغة عاطفية مهذبة أكثر وبمفردات أقل إثارة وأكثر غموضاً عما كان يقدمه فنانو المرحلة الشعبية في تلك المرحلة..

اختفت الأصوات الموسيقية الشعبية في الزمن الحاضر، واحتل فراغها الشعر الشعبي ممثلاً في برامجه الشهيرة وقنواته المتعددة، لكن الميل نحو البوح والإباحة عاد مرة أخرى ولكن دون خلفية موسيقية، وبالتحديد في الكلام غير المباح في برامج البالتوك وغيرها من منتديات الإنترنت.. وهذا دليل أن الموسيقى ليس لها علاقة بفساد الشعوب، لكن الفساد هو من يطلبها في أمسياته الصاخبة.. كما يبحث الآن عن الكلام غير المباح في الشعر والكوميديا الإباحية..

لكنه الأمر في الغرب يختلف عنه في الشرق، فتأثير الطبقات العليا على الموسيقى اختفى منذ انتهاء زمن السيمفونيات في القرن التاسع عشر، جاء عصر الحرية الفردية بصرعات التعبير عن الداخل، وموضات النزعات والموضات الموسيقية، والتي كانت ما تفضح المسكوت عنه في المجتمع الغربي، فموسيقى السود كان لها طابع خاص ومميز في أمريكا، وكانت تعبر عن اضطهادها بنغمات مختلفة عن موسيقى البيض.. لكن ظاهرة النجومية المفرطة أخرجت المسكوت عنه، وفي سيرة الفنان الشهير مايكل جاكسون خير مثال، والتي عبّر عنها بصورة عبقرية ومأساوية في نفس الوقت عن التفوق وعقدة الدونية من البيض، فالمغني بقدر ما استطاع تحطيم الأرقام الموسيقية لموسيقى البيض إلا أنه لم يستطع تجاوز عقدة الرجل الأبيض بذلك التفوق غير المسبوق، وظهر ذلك عليه بصورة شفافة جداً عندما عمل على نقل صورة تفوقه من خلال تغيير صورته الطبيعية من رجل أسود ذي ملامح إفريقية إلى رجل أبيض ناعم الشعر والملامح..

ظاهرة التفوق الأبيض تسكن في مختلف المجتمعات، فربط التفوق باللون الأبيض يتجاوز الأفارقة الأمريكيين إلى مختلف الأعراق في أمريكا الشمالية وبقية العالم، فالعنصرية ضد الذات أثبتتها دراسات سوسيولوجية كان آخرها دراسة تم إعدادها لمعرفة ما يشعر به المريض من ارتياح عند استشارة طبيب أبيض مقارنة بغيره من أطباء ذوي الجذور الأخرى، وكانت النتيجة مفارقة، فكثير من أبناء الأقليات ومنهم الأفارقة يشعر بالثقة والطمأنينة عندما يكون الطبيب أبيض، وتقل كثيراً عندما يكون الطبيب من أبناء جلدته.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد