يبدو أن بعض الجهات المسؤولة لا تعترف بالخطط والإستراتيجيات، ودراسة المستقبل، ولو فعلت لتجنبت مشكلات وأزمات كثيرة. تتعامل معظم الجهات وفق ردود الأفعال ما يجعلها غير قادرة على وضع الحلول الناجعة لمعالجة أزماتها الطارئة. قضية الإغراق إحدى القضايا الحساسة التي أُهمِلت حتى اكتملت أركانها، وبعد أن صدر الحكم الابتدائي فيها هب الجميع للتصريحات ونذكرهم أيضا بأن قضيتي الإغراق ظهرتا منذ أكثر من ستة أشهر وليس اليوم.
نعود بالذاكرة لقضايا إغراق تعرضت لها بعض شركاتنا السعودية منذ أكثر من سبع سنوات تقريبا. إحدى تلك القضايا رفعت على شركة سعودية خاصة من قبل الاتحاد الأوربي الذي اتهمها بالإغراق لأنها شحنت (حاويتين) من المواد المصنعة محليا للسوق الأوربية.
حاولت الشركة السعودية الحصول على الدعم اللازم من الجهات ذات العلاقة إلا أنها فشلت في جميع الأحوال.
قام رئيس مجلس إدارة الشركة بالتصدي للقضية حتى نجح في دحر تهمة الإغراق، دون أدنى مساعدة من الجهات الرسمية!.
قضية أخرى حدثت في اليابان بعد أن منعت سلطات الجمارك اليابانية دخول شحنات (خيار سعودي) محملة على متن طائرات سعودية مستأجرة بحجة عدم مطابقة (نسبة ميلان) الخيار للمواصفات اليابانية!. لم تكن المواصفات اليابانية إلا نوعا من أنواع (الحمائية) القانونية التي لم تكتشفها السوق السعودية. تكبد المستثمر السعودي خسائر فادحة، وتعرض لمواقف عصيبة لم يجد فيها من يعينه على حلها.
وفي المقابل، لم تستطع شركة الخزف السعودية من وقف إغراق الشركات الأسبانية للسوق السعودية بمنتجات الخزف الرخيصة التي كانت تباع في السوق السعودية بأقل من تكلفة الإنتاج.
أخذت الشركة على عاتقها متابعة قضية الإغراق بعد أن عجزت عن إقناع الجهات الرسمية بمساعدتها أو بتزويدها مندوب يمكن أن يمثل الجانب الرسمي في القضية.
قضية الخزف الأسباني كشفت عن قصور في أداء الجمارك السعودية حيث أشارت وثائق صادرات الخزف الإسبانية الرسمية للسوق السعودية بأن الكميات المسجلة في الجمارك السعودية أقل بكثير من الكميات المصدرة لها!.
القضايا السابقة لم تكن وليدة اليوم بل حدثت خلال عقد من الزمان، ومع ذلك لم نصل بعد إلى مرحلة الكفاءة في التعامل مع الأنظمة والقوانين التجارية كما يجب، وهو قصور تتحمله وزارة التجارة، ووزارات أخرى يفترض أن يكون لها الدور الفاعل في هذا الجانب.
لا يمكن للصين أو الهند بناء قضايا الإغراق من العدم، والأنظمة الحمائية قد تكون متوافقة في بعض الأحيان مع أنظمة التجارة العالمية، وقبل أن نلوم الآخرين على خلفية إجراءاتهم الحمائية يفترض أن نسأل الجهات الرسمية عما عملت لحماية الصادرات السعودية وفق الأنظمة والقوانين العالمية، وماذا قدمت للمصدرين من دعم قانوني، ومالي في الخارج والداخل على حد سواء.
تتسلح الدول المتقدمة بمواصفات ومقاييس خاصة تجعلها خط الدفاع الأول أمام عمليات الإغراق التي تستهدف أسواقها التجارية.
قد تكون بعض تلك المواصفات غريبة نوعا ما إلا أنها تتوافق مع طبيعة أسواقهم الخاصة وتنطبق مواصفاتها على منتجاتهم المحلية ما يحمل المصدرين تكاليف باهظة للوصول إلى المواصفات الخاصة في بعض الأحيان.
(المواصفات والمقاييس) هي التي تحد من دخول الغث من الإنتاج العالمي، وتفرض على المنتجين التعامل مع متطلبات الأسواق الأخرى.
تحقق المواصفات الخاصة الحماية المزدوجة للمواطنين والمنتجين. للأسف الشديد تفتقر السوق السعودية للمواصفات الخاصة كالتي تعمل بها الولايات المتحدة الأميركية، الاتحاد الأوربي، اليابان وبعض الدول المتقدمة الأخرى ما يجعل السوق المحلية أشبه بمكب النفايات للمنتجات الرخيصة، المسرطنة، المقلدة، ورجيع ساحات الجمارك العالمية.
العمل مع أنظمة التجارة العالمية يحتاج إلى وضع (مواصفات سعودية) نحمي من خلالها المنتجين والمواطنين ونستخدمها للتعامل بالمثل مع كل من يحارب الصادرات السعودية. والتعامل القانوني الأمثل يحقق الأهداف المنشودة، وهو أمر نجح في تحقيقه مواطن أعزل فكيف بالجهات الرسمية متعاضدة!. العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية يمكن أن تنهي مثل تلك القضايا إذا ما أُحسن استغلالها.
كما أن إنشاء هيئة متخصصة في التجارة العالمية تُعنى بمتابعة الأسواق العالمية، الأنظمة والقوانين، ومساعدة الشركات السعودية في علاقاتها الخارجية، وحمايتها، وحماية السوق المحلية من عمليات الإغراق يمكن أن تساعد مستقبلا في الحد مما تتعرض له الشركات والسوق السعودية من القضايا الانتقائية.
تفعيل دور الملحقيات التجارية في السفارات السعودية، وتعيين مختصين بالتجارة العالمية فيها يمكن أن يساعد في كفاءة العمل ودقته مستقبلا.
***
F. ALBUAINAIN@HOTMAIL. COM