كان صباحا مترعا بالأمل، طافحا بالبشر، مفعما بالتفاؤل، مشحونا بالعاطفة تجاه هذا الوطن الحبيب وأنا أتجه لحضور ملتقى المدربين المعتمدين لنشر ثقافة الحوار، الذي ينظمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين. وفي الطريق، جالت في نفسي عدة خواطر وتساؤلات أبرزها:
* هل المهارة والقدرة على الحوار فطرة أم اكتساب؟.
وهل لحسن الخُلق والرغبة في نشر الخير والنوايا الحسنة المتجذرة في النفوس دور في إدارة حوار جيد والنجاح في الوصول لنتائج مرضية؟ أم أنه يمكن اكتساب تلك المهارة من خلال التعلم والتدريب ومن ثم الخبرة والممارسة؟
* وهل يمكن للشخص إعادة النظر في أفكاره وتغيير قناعاته بسهولة حين يرى عدم ملاءمتها للواقع المعاش أم أن ذلك من المستحيلات؟ ولا سيما أن معظم الأفراد عاشوا في بيئة اتخذت من أداة القمع وسيلة للتربية.
* وهل من اعتاد على صيغة الأوامر لتوجيه سلوك من حوله قادر على تغيير نفسه ليغير ما حوله؟
* وهل يمكن تجاهل التنشئة الاجتماعية التي قامت على ضفافها أمم تستمرئ فرض الأوامر؟
* وهل بالفعل لدينا القدرة الاجتماعية على إقامة جسور الحوار السليم لتحل محل أنفاق الجدال والمراء العقيم؟
* وهل سيأتي يوم يمكن اعتبار تغيير الرأي والاقتناع بالرأي الآخر شجاعة وانفتاحا بدلا من الشعور بأنه أحد أشكال الهزيمة؟ وهل سيعدها الطرف الآخر كذلك إذا سلمنا نحن بها؟
* وهل حقا لدينا الاستعداد الكافي لتقبل ثقافة الحوار بما تحمله من فكر راقٍ لا يهمش الآخر، ولا يعتدي عليه ولا يتكبر بحسبه أو يتعالى بمنصبه أو يتغطرس بهيئته وشكله ولونه وعرقه؟
* وهل لدى بعض المثقفين بالذات القدرة الكافية على الارتقاء بفكرهم ومفهومهم للحوار وهم ما زالوا يتهجون أبجديات تقبل التيارات الفكرية المعارضة لفكرهم الإقصائي؟
* وهل سنوقف شلال فرض آرائنا على من حولنا وكأنها دستور ثابت مع وجوب التقبل لها وتنفيذها دون جدال، وتجاهل حقهم في الاختلاف أو حتى في الدفاع عن أفكارهم؟ وكأننا نصادر حقهم في الاستقلال بالتفكير، والشجاعة في إبداء الرأي، بل وحتى في البوح بلواعجهم وهمومهم، لدرجة أنهم أصبحوا أسارى الصمت الذي تتبعه السلامة كما نتصورها دائماً ونصورها لمن حولنا!
إننا إن لم نتقبل ثقافة الاختلاف، فلن نستطيع مطلقا غرس لغة الحوار السليم في أجواء صحية غاية في النقاوة. وإن لم نستثمر هذه الفرصة الذهبية التي ترعاها الحكومة في إطلاق منتديات الحوار من خلال إبراز التنوع والثراء المعرفي والتشجيع عليه، فإننا سنكون حقا قد ضيعنا على أنفسنا لذة خوض تجربة فريدة من نوعها قد تسهم في تضييق مساحات الجفاء وردم فجوات الإقصاء؛ لتحقيق التوافق بين طبقات وأفراد المجتمع.
إننا حقا بحاجة إلى المزيد من فتح قنوات الحوار.. فقد مللنا عنفاً، وتعبنا قهراً، وكرهنا صمتاً!!
rogaia143 @hotmail.Com
ص. ب260564 الرياض11342