تتناول الأوساط القضائية والحقوقية وبعض المهتمين بالشأن الجنائي البحث في مسألة مغالاة أصحاب الحق في قضايا القتل العمد وطلبهم لدرء حد القصاص عن الجاني مبالغ مالية يرى الكثير ممن انبرى للبحث في هذا الموضوع أنها مبالغ فيها إذ يرون أن من يطلب مبلغ أكثر من الدية المقررة حالياً إنما يقوم ببيع دم وليه وأنه قد تجاوز الحد المعقول وأن هذا من التعسف في استعمال الحق خصوصاً أن أولياء القاتل مضطرون إلى الانصياع لطلب أولياء الدم مما يجعلهم كما نرى في الواقع المعاصر يتكففون أصحاب المال ويطلبونهم العون والمساعدة حتى يدرؤوا تنفيذ حد القصاص عن القاتل، وأنا لست في هذه المقالة أدافع عن أولئك المبالغين ولكنني أريد أن أسلط الضوء على ما قد يكون هو السبب في حدوث هذه الظاهرة في بلادنا خصوصاً دون غيرها من البلاد ولعلي أرجع حدوثها للأسباب التالية:
أولاً: الراجح من أقوال العلماء أن الأصل في الدية في القتل العمد وشبهه وكذا الخطأ هو الإبل وما سواها من الأنواع هو من باب القيمة وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد - رحمه الله - وهو الراجح عند أئمة الدعوة - رحمهم الله تعالى - وهو مقتضى الأحاديث الواردة كحديث عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مئة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها) وحديث عمرو بن حزم (في النفس مئة من الإبل) كما أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية الخطأ والخطأ شبه العمد فغلظ بعضها وخفف بعضها ولا يتحقق ذلك في غير الإبل.
ثانياً: اننا لو نظرنا لأقيام الإبل في وقتنا الحاضر لوجدنا أن متوسط قيمة الواحدة من الإبل كالمنصوص على مثلها في الدية لا تقل عن خمسة آلاف ريال سعودي وقد قمت بسؤال عدلين ممن يبتاعان ويبيعان الإبل عن قيمة الواحدة من الإبل كالمنصوص عليها في حديث الدية فأجابا بأن متوسط سعرها خمسة آلاف ريال قد تنقص قليلاً وقد تزيد مثله وبحساب مقدار الدية للقتل بقيمة مئة من الإبل فإن مقدارها في الوقت الحالي لا تقل عن خمسمئة ألف ريال على حساب سعرها في الوقت الحاضر وهو خمسة أضعاف قيمة الدية المعمول بها في المحاكم الشرعية بالمملكة حالياً تقريباً.
ثالثاً: تقدر القيمة الحالية المعمول بها ويتم الحكم بها في محاكم المملكة بمئة وعشرة آلاف ريال كدية للقتل العمد وشبهه وبمئة ألف ريال للقتل الخطأ للرجل المسلم والمرأة المسلمة على النصف من دية الرجل المسلم وذلك حسب قرار مجلس القضاء الأعلى رقم 123 في 3-9- 1401هـ والمؤيد بالأمر السامي الكريم رقم 22266 في 29-9-1401هـ.
رابعاً: قبل أكثر من عشر سنوات كنت أحضر لرسالة الماجستير في موضوع: (حقوق الإنسان في ضوء عقوبة القصاص في النفس بين الشريعة الإسلامية والنظم المعاصرة دراسة مقارنة) وسألت المشرف على البحث أستاذ القانون الجنائي الدولي الدكتور محمد محيي الدين عوض - شفاه الله - عن آلية تحديد مبلغ مئة ألف ريال كحقٍ بديل لحياة الإنسان في القتل الخطأ ومئة وعشرة آلاف ريال للقتل العمد في حالة سقوط القصاص أو تعذره لأي سببٍ من الأسباب وهو المعمول به في المملكة بينما نجده في نصوص الشريعة الإسلامية مئة من الإبل في القتل العمد بصفتها المنصوص عليها في كتب الفقه ومئة من الإبل في القتل الخطأ بصفتها المنصوص عليها فكان جوابه لي أن عليّ أن أبحث عن جواب هذا السؤال في أروقة وقرارات مجلس القضاء الأعلى بالمملكة وقد قمت بتتبع مقدار الدية وما صدر فيها من قرارات وأوامر سامية وكانت على النحو التالي:
1- في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود رحمه الله وذلك في القرن الثاني عشر الهجري قدرت الدية بمبلغ ثمانمئة ريال فرنسي.
2- في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز رحمه الله قدرت الدية في عام 1374هـ بثمانية عشر ألف ريال للقتل العمد وشبهه، وبستة عشر ألف ريال للقتل الخطأ.
3- صدر قرار مجلس القضاء الأعلى رقم 100 في 6-11-1390هـ والمؤيد بكتاب المقام السامي رقم 21374 في 24- 11-90هـ بتقدير دية الخطأ بأربعة وعشرين ألف ريال عربي، ودية العمد وشبهه بسبعة وعشرين ألف ريال عربي سعودي ومما تضمنته فتوى المجلس ما يلي: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد - فبناءً على خطاب حضرة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء الموجه إلى فضيلة نائب رئيس القضاة برقم 3427 في 22-2-90هـ بشأن اقتراح فضيلة رئيس المحكمة الكبرى بالرياض إعادة النظر في دية النفس بحكم أنها غير كافية في الوقت الحاضر وطلب سموه عرض ذلك على المجلس الأعلى للقضاء وموافاته بالنتيجة، فقد جرى بحث هذا الموضوع بحثاً وافياً على ضوء النصوص في أصول الدية في الإسلام وأنواعها وقد ظهر أن الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن الأصل في الدية هو (الإبل) وما سواها من الأنواع الآتي ذكرها فهو من باب القيمة كما هو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وهو الراجح عند أئمة الدعوة - رحمهم الله - واختيار الخرقي والموفق من كبار أئمة الحنابلة وهو مقتضى الأحاديث الواردة كحديث عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مئة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وابن القطان وحديث عمرو بن حزم (في النفس مئة من الإبل) رواه مالك في الموطأ والنسائي في سننه، وبناءً على أن الراجح من أقوال أهل العلم أن الأصل في الدية هو الإبل وأنه يجوز تقييمها ما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإن ذلك يدل على أن هذا التقويم يكون في كل زمان بحسبه وما حصل سابقاً في عام 1374هـ من تقدير الدية في الخطأ بمبلغ ستة عشر ألف ريال وفي العمد وشبهه بثمانية عشر ألف ريال بناء على فتوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله تعالى - وكان ذلك بحسب تقدير قيمة الإبل في ذلك الوقت، كما أنه سبق تقديرها قبل ذلك بمبلغ ثمانمئة ريال فرنسي في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود - رحمه الله تعالى - في القرن الثاني عشر وذلك بحسب قيمتها في ذلك الزمن، وحيث اقتضى الحال في الوقت الحاضر إعادة النظر في تقدير قيمة الدية المذكورة فقد سألنا من يوثق بهم من أهل الخبرة العارفين بتقييم تلك الأسنان من الإبل المذكورة في أحاديث الدية وطلبنا منهم إعطاءنا المعلومات الكافية عن أقيام كل سن من تلك الأسنان بالنسبة إلى مناطق المملكة فتوصلنا من ذلك إلى معرفة أن القيمة الوسط بالنسبة إلى دية الخطأ هي أربعة وعشرون ألف ريال عربي سعودي وبالنسبة إلى دية العمد وشبهه سبعة وعشرون ألف ريال عربي سعودي حسب ما جاء توضيحه في البيان الموقع من أهل الخبرة، وبناء عليه فإن مجلس القضاء يقرر بأن يكون العمل على هذا التقدير ابتداءً من حين صدور الموافقة عليه من ولي الأمر - وفقه الله - ويستمر العمل عليه ما لم تتغير قيمة الإبل الحالية بزيادة كثيرة أو نقص ملحوظ يوجب إعادة النظر في ذلك ومما ينبغي أن يعلم أن دية المرأة المسلمة على النصف من دية الرجل المسلم وأن دية ما دون النفس من الأعضاء والمنافع والشجاج تؤخذ بنسبة ما ذكر في دية العمد والخطأ وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
4- أصدرت هيئة كبار العلماء في الدورة التاسعة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة بمدينة الطائف في شهر شعبان 1396هـ والتي اطلعت فيه على خطاب المقام السامي الوارد من سمو نائب رئيس مجلس الوزراء رقم 33867 في 1-12- 1395هـ المتضمن الموافقة على ما اقترح من إعادة النظر في تقويم دية النفس على ضوء تغير أقيام الإبل التي هي الأصل في الدية بما يكون محققاً للعدل والإنصاف أصدرت القرار رقم 50 في 20-8- 1396هـ والمؤيد من المقام السامي برقم 4- ع- 25021 في 18-10-96هـ بجعل دية العمد وشبهه خمسة وأربعين ألف ريال، ودية الخطأ أربعين ألف ريال، وقد صدر هذا القرار بناء على فتوى مشابهة لما سبق في فقرة (3).
5- صدر قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة رقم 133 في 3-9-401هـ والمؤيد من المقام السامي برقم 22266 في 29 -9-1401هـ ومما تضمنه ما يلي:
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: بناء على أن الدية الحالية لشبه العمد خمسة وأربعون ألف ريال ودية الخطأ أربعون ألف ريال ونظراً إلى قلتها جداً في مثل هذا الوقت وقد وردت كتابات من عدد من القضاة مبدين آراءهم في رفع الدية عما هي عليه الآن نظراً لقلتها وارتفاع قيم الإبل التي هي الأصل في الدية كما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم... فقد أصدر مجلس القضاء الأعلى كتاباً عممه على عدد من محاكم البلدان التي فيها سوق للإبل ويوجد فيها أهل خبرة بأقيام الإبل لسؤال من يوثق بهم عن أقيام الإبل ذوات الأسنان الآتية: بنت مخاض، ابن مخاض ذكر، بنت لبون، جذعة، فوردت إجاباتهم وبعد دراستها ومعرفة متوسط القيمة بالنظر إلى نواحي المملكة التي جاءت منها الإجابات رأى المجلس تقدير قيمة الدية بما ظهر أنه متوسط أقيام الإبل في سائر نواحي المملكة حيث بلغ مقدار دية شبه العمد مئة وعشرة آلاف ريال وزيادة ومقدار دية الخطأ المحض مئة ألف ريال وزيادة ولذا فإن مجلس القضاء الأعلى بهيئته العامة يقترح ما يلي:
1- تكون دية شبه العمد مئة وعشرة آلاف ريال.
2- تكون دية الخطأ المحض مئة ألف ريال.
3- يسري هذا التقدير من تاريخ الموافقة عليه من ولي أمر المسلمين.
4- يعد هذا التقدير سارياً على كل حالة لم يتم الحكم فيها قبل صدور الموافقة عليه.
5- دية المرأة المسلمة على النصف من دية الرجل المسلم وأن دية جراحها وأطرافها مثل دية الرجل حتى ثلث الدية ثم تكون على النصف من دية أطراف وجراح الرجل. انتهى.
ويلاحظ أن ما بين قرار مجلس القضاء الأعلى رقم 100 الصادر في عام 16- 11-1390هـ وقرار هيئة كبار العلماء رقم 50 في 20-8-1396هـ مدة ست سنوات تقريباً وكذا ما بين قرار مجلس القضاء الأعلى رقم 133 في 3-9- 1401هـ وما سبقه برقم 50 في 20-8- 1396هـ ما يقارب السنوات الست إلا أن الأمر ظل على ما هو عليه في تقدير قيمة الدية منذ عام 1401هـ وإلى وقتنا الحالي في 8-7-1430هـ أي ما مقداره ثلاثون سنة تقريباً دون دراسة زيادة قيمة الدية تبعاً لغلاء أسعار الإبل في الوقت الحالي وهذا من المآخذ على مجلس القضاء الأعلى وعلى الجهات المعنية بهذا الأمر.
خامساً: أفتى سماحة رئيس القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - بفتواه رقم 2372 في 21-6-1389هـ بجواز التصالح على أكثر من الدية الشرعية والتي تأيدت بالأمر السامي رقم 17016 في 26-8-1389هـ باعتمادها وإيقاف العمل بما سبق أن صدر بألا يقبل في ديات العمد إلا الدية المقررة شرعاً وفيما يلي نص فتوى سماحته: من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الجلالة الملك ورئيس مجلس الوزراء المعظم أيده الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد إلحاقاً لخطابي المرفوع إلى مقام جلالتكم 1871 وتاريخ 25-5-1389هـ بصدد ما صدر تعميماً بألا يقبل في ديات العمد إلا الدية المقررة شرعاً، وبالإشارة إلى خطاب جلالتكم رقم 11133 وتاريخ 1-6-1389هـ الجوابي على خطابي المذكور، وزيادة إيضاح للوجهة الشرعية في الموضوع. أنقل لجلالتكم فيما يلي شيئاً من كلام أهل العلم.
قال في كتاب المغني (مسألة) قال وإذا قتل مَن للأولياء أن يقيدوا به فبذل القاتل أكثر من الدية على ألا يقاد فللأولياء قبول ذلك، وجملته أن من له القصاص له أن يصالح عنه بأكثر من الدية وبقدرها وأقل منها لا أعلم فيه خلافاً لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قَتَلَ عمداً دُفع إلى أولياء المقتول فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا أخذوا الدية ثلاثين حقه وثلاثين جذعة وأربعين خلفه وما صالحوا عليه فهو لهم وذلك لتشديد العقل رواه الترمذي - وقال حديث حسن غريب وروينا أن هديّة بن خشرم قتل قتيلاً فبذل سعد بن العاص والحسن والحسين لابن المقتول سبع ديات ليعفوا عنه فأبى ذلك وقتله، ولأنه عوض عن غير مال فجاز الصلح عنه بما اتفقوا عليه كالصداق وعوض الخلع ولأنه صلح عما لا يجري فيه الربا فأشبه الصلح عن العروض. وبهذا القدر نكتفي حفظك الله من الأدلة الموضحة أن التصالح على أكثر من مقدار الدية الشرعية درءاً للقصاص أمر شرعي ولا يجوز إبطاله وقصر الناس على دفع الدية المقررة.
سادساً: نص الأمر السامي الكريم رقم خ - 547 - 8 في 2-11-1420هـ بأنه حرص من المقام السامي على بذل كل ما نستطيع في سبيل تبيان فضيلة العفو وعظم أجره لقوله تعالى (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وقوله جل جلاله:
(وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)، وقوله تعالى: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ)، وامتثالاً لذلك رغب المقام السامي ما يلي:
1- توجيه أمراء المناطق باستدعاء أصحاب الحق في القصاص في النفس وما دون النفس وإشعارهم بأن ما صدر من حكم تجاه خصمهم قد صدر أمر بتنفيذه من قِبل المقام السامي الكريم مع إظهار ما للصفح من مكانة وأجر عند الله لعلهم يراجعون أنفسهم في العفو أو قبول الدية مذكرينهم بكل ما يشير إلى ذلك في القرآن الكريم أو السنة النبوية على أن تكون الدية معقولة.
2- عدم ممارسة أي ضغوط على أصحاب الحق لحثهم على التنازل.
3- يستثنى من ذلك جرائم القتل التي ترتبط بأعمال خطف أو سرقة أو فعل فاحشة الزنا أو اللواط أو للتمثيل بالقتل أو تبييت النية في القتل.
سابعاً: صدر الأمر السامي الكريم رقم 9869-م ب في 15-12-1429هـ بشأن ما يرد من رغبة بعض المواطنين فتح حسابات مشتركة وإقامة مخيمات بهدف جمع تبرعات الدية لورثة القتيل وقضى الأمر الكريم بدراسة ظاهرة المبالغة في الصلح في قضايا القتل بشكل عام وإيجاد الحلول الممكنة للحد من تلك الظاهرة مع دراسة أنسب الآليات لكيفية قبول التبرعات وجمعها الخاصة بمثل تلك القضايا من عدة جهات وصدرت الموافقة الكريمة على ما توصلت إليه اللجنة المشكلة لهذا الغرض حيال أسباب هذه الظاهرة والحلول الممكنة للحد منها وإلى الآليات المناسبة لكيفية التبرعات وجمع المبالغ وأن تقوم الجهات المعنية بتقويم ما تضمنه محضر اللجنة بعد مضي ثلاث سنوات من تطبيقه والرفع عن نتائجه والتوصيات المقترحة في شأنه..
ومن أهم ملامح التوصيات ما يلي:
1- منع إقامة المخيمات واللوحات الإعلانية التي تعد لجمع التبرعات لذوي القاتل والقتيل.
2- إنشاء لجان إصلاح ذات البين في جميع إمارات مناطق المملكة أسوة بما هو موجود في كل من منطقة الرياض ومنطقة مكة المكرمة ويكون مقرها إمارة المنطقة ويجوز عند الحاجة إنشاء لجان في المحافظات وتفعيلها لتنظيم اجتماعات ممثلي ذوي الشأن في التفاوض أو الصلح.
3- منع القاتل أو ذويه من استخدام أي وسيلة إعلامية لجمع التبرعات عما زاد على الدية.
كما أوصى المجتمعون بوضع آلية لقبول التبرعات من أهم ملامحها ما يلي:
أ - ان أي عملية لجمع المبالغ المالية للصلح في الديات يجب ألا تتم إلا بموجب موافقة وزارة الداخلية، وذلك بعد أن ترفع عنها إمارة المنطقة.
ب - إذا صدرت موافقة سمو وزير الداخلية، تقوم إمارة المنطقة بمخاطبة مؤسسة النقد لفتح الحساب للتبرعات بعد استيفاء بعض المتطلبات ومنها:
1- أن يكون حساب مبلغ الصلح في الدية تحت إشراف إمارة المنطقة، ولا يكون لأي طرفٍ من أطراف القضية أي صلاحية على الحساب نهائياً.
2- أن يكون اسم الحساب بالشكل التالي (إمارة منطقة..... تبرعات دية يكتب اسم المقتول كاملاً).
3- أن يُوقف البنك الحساب تلقائياً في حال اكتمال مبلغ الدية بحيث لا يقبل أي مبلغ إضافي يزيد على مبلغ الدية.
4- إذا اكتمل مبلغ الدية تصرف إمارة المنطقة بموجب شيك مصرفي يتم تسليمه للمستفيد عن طريق المحكمة.
5- إذا لم يكتمل مبلغ الصلح في الدية ولم يقتنع أولياء الدم به، أو تناول أولياء الدم عن الدية، تُعاد المبالغ المودعة المعروف أصحابها من واقع نماذج الإيداع، أما المبالغ التي أودعها مودعون تحت اسم فاعل خير، فتعرض إمارة المنطقة أمرها على سماحة المفتي ليتم التصرف فيها بناءً على فتوى شرعية.
ومما تقدم يتضح ما يلي:
1- ان مقدار الدية المعمول بها حالياً ومقدارها مئة ألف ريال للقتل الخطأ ومئة وعشرة آلاف ريال للقتل العمد وشبهه لا تتناسب مع القيمة الفعلية لما ورد بالدية المقررة شرعاً وهي مئة من الإبل إذ إن قيمة الدية المقررة شرعاً في الوقت الحالي تصل إلى خمسة أضعاف الدية المعمول بها حالياً بموجب قرار مجلس القضاء الأعلى رقم 133 وتاريخ 3-9-1401هـ ولعل هذا من أهم أسباب مطالبة أولياء المقتول للتنازل عن القصاص بمبالغ كبيرة تزيد على الدية المقررة حالياً إذ لو كان يرى أولياء المقتول أنهم أخذوا ما استحقوا شرعاً دية لقتيلهم لما تجرأ الكثير منهم في المزايدة في طلب المال ومن هذا تظهر ضرورة إعادة النظر في قيمة الدية الحالية المستحقة للقتل الخطأ والقتل العمد وشبهه في وقتنا الحاضر.
2- كان للتعقيب الذي تفضل به صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض في جريدة الجزيرة بعددها رقم 18403 الموافق ليوم الثلاثاء 16 من جمادى الآخرة لعام 1430هـ على ما نشر بجريدة الوطن بعدديها رقم 3152 و3153 الموافقين ليومي الإثنين والثلاثاء 22-23 من جمادى الآخرة لعام 1430هـ بقلم معالي الشيخ عبدالله بن منيع بعنوان - (شراء الدماء) مبنياً على أدلة فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم ولما يتمتع به سموه الكريم من إنسانية وإحساس بالأبوة لذوي القاتل والمقتول من أبناء وطنه وحرصه في سبيل إرضاء الجميع، ونحن إذ ننتظر بترقب وأمل كبير الخطوات والمشاريع التي تقوم بها وزارة العدل لتطوير القضاء والمدعومة من حكومتنا الرشيدة والتي رصدت لها مبالغ مالية كبيرة تزيد على سبعة مليارات ريال وبدأت أولى خطواتها تتجلى في التعديلات القضائية للهيكل الإداري القضائي بالمملكة من إنشاء محاكم الاستئناف، وغيرها من المحاكم. نتطلع أن يشمل التطوير الناحية الإجرائية في المحاكم وخصوصاً في القضايا ذات المساس بحياة المواطنين كقضايا القتل ومن ذلك:
1- حث المحاكم على المسارعة في الفصل والبت في قضايا القتل المعروضة للقضاء وعدم تأخر بعضها مدداً تصل إلى ما يزيد على خمس سنوات دون إنهاء.
2- إعادة دراسة مقدار قيمة الدية الحالية ومدى تناسبها مع القيمة الحقيقية لما هو متقرر شرعاً.
3- حث المحاكم على عدم التصديق على وثائق الصلح أو إدراجها في صك الحكم الشرعي إذ كانت تتضمن شروطاً تعجيزية مجحفة بحق أحد الطرفين مثل اشتراط أصحاب الدم طرد الجاني من السكن في بلده أو في داره ونحوها من الشروط التعجيزية المخالفة للشرع حيث إن إقرار مثل هذه الشروط ينتج عنه نزاع في المستقبل بين أولياء الجاني وأولياء المجني عليه، وإيضاح أن مثل هذه الشروط ليست من حق أولياء القتيل وإنما هي من حق ولي الأمر إذا رأى ذلك، وينحصر حقهم فقط بأخذ ما اتفقوا عليه من مال لقاء التنازل عن القصاص وعلى أن تكون قيمة التنازل غير مبالغ فيها ولا تتعدى الحد الأعلى للديات الذي رآه ولي الأمر، كما يجب ألا يتضمن الصك الشرعي عبارات توحي أن ولي القتيل قد أعفى القاتل عن حقه في القصاص لوجه الله إذا كان قد تنازل عن القصاص لقاء مبلغ مالي.
4- وضع لجان لمراجعة الأنظمة والأوامر السامية التي يتم العمل بها حالياً والتي مر عليها زمن طويل ودراسة ملائمتها وتطبيقها في الوقت الحاضر ومن ذلك ما يطلق عليه بالإرادة الملكية في حق القاتل العامد والقاتل المخطئ، ومقدار الدية ونحوها من قرارات مجلس القضاء الأعلى والأوامر السامية الأخرى المتعلقة بمرفق القضاء.
باحث في مجال حقوق الإنسان والعدالة الجنائية
Dr-a-shagha@hotmail.com