قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سيُسأل عن شاة تعثّرت لما لم يمهّد طريقها، وقال غيره من الصالحين مثل ما قال، الناس يا معالي الوزير إن حاسبوا أنفسهم وراجعوا ما عليها والوقت فيه سعة، فازوا بمغفرة من الله ورضواناً، وبيّنوا دون قصد ولا رياء سلامة ما في نفوسهم، ولعمري أنك كغيرك ستُسأل بلا شك عن كل صغيرة وكبيرة {.... مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} والله سبحانه وتعالى - ولا نتعدى على ما يريد سبحانه - لكننا من واقع ما جاء في كتابه نظن أنه سيسألك عن كل عاطل وعاطلة، والكلام الجميل المنمق قد يقنع بعض الناس وقد يرفع مقامك عند آخرين، لكنه عند الله مجرّد تبرير سيُشهد عليه وهو الغني عن ذلك لدحضه أو لتعزيزه كل جوارحك وعلى رأسها قلبك وما دار في نفسك من صدق نواياها، ألم يقل ربنا {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} ولا أخالك إلاّ رأيت بعينك جيوشاً من العاطلين المتعلمين الذين لم يجدوا لهم ابن عم يدعم تحركاتهم أو وسيطاً يقفز بهم عثراتهم، فانبروا لا يعلمون غير مسؤول جعل الله أمرهم عنده، فقالوا جهراً أو سراً أو وهم يناجون ربهم ما قالوا فيه، فإن كان وقتك وظروف عملك لم تمكنك من أن ترى هذه الجيوش العاطلة، فلا بد وأنك قد سمعت عنهم حكاياتهم ومعاناتهم وحواجز زادت من عثراتهم وهم لا يطلبون غير الكفاف كما تطلب الآن، ولا بد أنّ قلباً مثل قلبك ينبض بخوفه من حساب الله، ولا أزكيه عند الله ولكني أحسبه كذلك، قد قال لك ما لم يقله من تجمّع من حولك وهم يختارون كلماتهم عند الحديث لك بعناية فائقة طغت على تصوير واقع مؤلم لا يراه إلاّ طبقة وسطى تاه أبناؤها في غيابت السكون والفراغ والبطالة.
نعم معالي الوزير ستُسأل عن كلِّ عاطل وعاطلة، وعن كل نظام أقررته، وكل قرار اتخذته، وعن مبادرة صوّرها الإعلام تلميعاً أو تحسيناً لواقع يقول غير الذي يقولون، وشباب وشابات لا يزالون يعانون، وتأكد أنّ كل تبرير تقوله عند من يعلم خافية الأعين وما تخفي الصدور سيكون تحصيل حاصل، فالأمر لا يتعدى أن تفهم لما كانت لك هذه المكانة في الآخرة أو تلك {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} .. لكنني اليوم وأنا أتفاعل مع ما نُشر على لسانك من خوفك من أنّ الله سيسألك عن كل عاطل وعاطلة، يكبر في نفسي الأمل والثقة ليس في إنهاء معاناة عاطلين وعاطلات، فالأمر لا يقف عندك فقط وإن كنت أنت في الواجهة، فلغيرك ممن أكرمهم الله برزقه وفتح عليهم أبواباً ليعاونوا شباباً وشابات لكنهم أبوا وتمنّعوا تحت مبرّرات عديدة، أدواراً سيسألون عنها في يوم الوقت المعلوم، أقول يكبر في نفسي الأمل أن يغفر الله لك، فالله لا يكلف نفساً إلاّ وسعها وإن كان في علمك أنك قدمت ما مكّنك الله عليه ولم تتغيّر الأمور، فحسبك أنك اجتهدت وجاهدت والنتائج لا يقررها عمل عبد ولكنها عند الله الذي يفتح على من يشاء من عباده .. والله المستعان.
naderalkalbani@hotmail.com