Al Jazirah NewsPaper Tuesday  30/06/2009 G Issue 13424
الثلاثاء 07 رجب 1430   العدد  13424
تعقيباً على حوار « مدير عام أوفيد».. مساعد مدير صندوق التنمية الصناعي العايد:
تواضع تمثيل الكوادر السعودية في المؤسسات الدولية يستدعي المعالجة العلمية

 

اطلعت على الحوار الصحفي الذي أجراه الأستاذ فهد العجلان والذي نشرته (الجزيرة) يوم السبت الموافق 23-5- 2009م، مع الأستاذ سليمان بن جاسر الحربش، مدير عام صندوق أوبك للتنمية الدولية (أوفيد)، والذي أشار فيه إلى أن (تمثيل الكفاءات السعودية في منظمات دولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة والمنظمات المنبثقة عنها، كالأونكتاد، اليونيدو، الفاو أو منظمة الصحة العالمية...الخ، تمثيل متواضع، بل ومعدوم في العديد من المؤسسات الدولية، وهو وضع لا يعكس الإمكانات الحقيقية للكفاءات الوطنية، كما أنه لا يواكب حجم المساهمات المالية السعودية في تلك المؤسسات).

وحينما تتحدث شخصية قيادية بتجربة وخبرة الأستاذ الحربش -الذي مارس مهام ومسؤوليات تطلبت التعامل والتفاعل والتحاور مع قيادات مؤسسات عالمية ذات مهام وأهداف وثقافات عمل مختلفة- فإنه يتحدث من واقع تجربة وممارسة فعلية ويلمس الحاجة الملحة إلى تطوير كفاءات وطنية عالمية التأهيل لتعظيم مصلحة المملكة واستفادتها من المؤسسات العالمية التي تحظى بدعم مادي كبير من الحكومة السعودية.

ولسد الفجوة المشار إليها في الحوار، دعا الأستاذ الحربش إلى وضع إستراتيجية لتطوير الموارد البشرية السعودية، للعمل في مختلف المنظمات الدولية، طالما توافرت لديهم الإمكانات، حيث يمكن استقطاب السعوديين والسعوديات للعمل في المنظمات الدولية، إلا أن أهم مشكلة تواجههم -بحسب رأيه- هي أن (المواطن يتردد في العمل في الخارج نظراً لخشيته من أن يخسر عمله في الوطن في حال عودته إضافة إلى احتمال عدم استمرار إعارته بالعمل في الخارج واستدعائه من قبل مرجعه بعد مضي فترة قصيرة حسب الأنظمة المتبعة لدى مرجعه، وهذه مشكلة تستحق المعالجة من قبل الجهات المعنية، إذ لابد من اعتبار إعارة المواطن للعمل في أي مؤسسة دولية- خاصة تلك التي تنضم المملكة إلى عضويتها -جزءاً من برنامج تطويره، وأحد مكونات إستراتيجية الجهة المعيرة).

وفي حقيقة الأمر، لا تقتصر المشكلة فقط على مجرد تواجد وتوظيف كفاءات بتلك المؤسسات المؤثرة في صناعة القرار الدولي أو الاقتصاد والتجارة العالمية، وإنما هناك مؤسسات أخرى في غاية الأهمية للاقتصاد والمجتمع الوطني، إذ من المعروف أن المنظمات الدولية لديها فروع وبرامج ومراكز خدمات وأبحاث ودراسات، تغطي مختلف مناطق العالم، كما أنها تقدم برامج الدعم الفني والتطويري لمختلف الدول وفي مختلف القطاعات. ورغم استفادة هذه المؤسسات الدولية من الموارد المالية لبعض الدول من خلال الترويج لبرامج دعم فني، إلا أن الخدمات التي تقدم قد لا تتطلبها اقتصاديات تلك البلدان، أو أن تلك البرامج الدولية ليست بالمستوى المطلوب من العمق، أو أن الذي سيقوم على تنفيذها ليست لديه خلفية أو معرفة قوية بمقومات الاقتصاد والمجتمع الوطني، كل هذه تبعات وسلبيات تتحملها بعض الدول (مثل المملكة) نتيجة غياب التمثيل الوطني في تلك المؤسسات.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أنه باستثناء مناصب ممثل أو مندوب الدولة في منظمة كالأمم المتحدة، أو المنظمات التابعة أو صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، والتي يتم التعيين فيها باختيار صرف من قبل الدولة العضو، فإن باقي الوظائف في تلك المنظمات، يتم التعيين فيها من خلال الإعلان على صفحاتها الإلكترونية أو الصحف أو الاتصال المباشر (والذي أثبت جدواه في حالات كثيرة) أو أي وسيلة أخرى، حيث يتقدم للوظيفة الواحدة المئات، وربما الآلاف من مختلف دول العالم، ويقع الاختيار على من تنطبق عليه شروط الوظيفة، وفي مقدمتها الخبرات العملية والمؤهلات العلمية القوية. ومن هنا يبرز تساؤل مدى قدرة مؤسساتنا العلمية والتدريبية والمؤسسات العامة والشركات الخاصة على إعداد وتخريج وتدريب كفاءات وطنية قادرة على ملء فجوة التمثيل للخبراء الوطنيين في المنظمات والمؤسسات الدولية ؟

لا شك أن العمل في مثل تلك المؤسسات الدولية، يمكن أن يضيف الكثير إلى الكفاءات الوطنية، حيث اكتساب الخبرات والاستفادة من التجارب المقارنة، بما يمكن تلك الكفاءات في وقت لاحق من نقل تلك الخبرات إلى الاقتصاد الوطني، وإصلاح جوانب القصور، وفي نفس الوقت ضمان قيام تلك المؤسسات الدولية بتقديم برامج دعم فني للاقتصاد الوطني على مستوى عال من الجدوى والفعالية، وبالتالي يكون هناك مردود إيجابي حقيقي للمساهمات المالية الوطنية في تلك المؤسسات. فقد أثبتت التجربة على مدى العقود الماضية أهمية هذا الاحتكاك والتواجد العالمي للكفاءات الوطنية، إذ إن بعض القيادات الوطنية الحالية -على سبيل المثال- سبق لهم العمل في كبريات المؤسسات والمنظمات الدولية، وهو ما مكنهم من اكتساب الخبرات (بالإضافة إلى تمثيلهم للمملكة) ونقلها إلى مواقع عملهم على أرض الوطن.

ونظراً لأهمية هذا الموضوع فإنه لابد أن يحظى باهتمام الدولة ومؤسسات القطاع العام والخاص ومساهمتها في تأهيل الكوادر الوطنية الملائمة لطبيعة المهام المطلوبة في هذا التمثيل الدولي. وقد يكون من الملائم بداية دراسة أسباب تواضع تمثيل الكوادر الوطنية في تلك المؤسسات ومن ثم وضع الحلول المناسبة خلال إستراتيجيات وبرامج عملية تعد وتنفذ لهذا الغرض. وأرى من المناسب في متابعتي هذه الإشارة إلى بعض العوامل ذات التأثير الأكبر (من وجهة نظري) على تواضع التمثيل الوطني في المؤسسات الدولية ومنها:

* تردد الكفاءات الوطنية في التقدم للوظائف التي تطرح بشكل دوري في تلك المؤسسات الدولية، إما جهلاً بأهميتها أو اعتقاداً منهم بضعف مستوى قدراتهم ومؤهلاتهم، في ضوء الشروط والمعايير المطلوبة، أو لخشيتهم الاغتراب والابتعاد عن الوطن أو لأي سبب آخر، فالمهم ألا نعفي الكفاءات الوطنية من المسؤولية، باعتبارهم أصحاب المصلحة المباشرة من الانضمام إلى فرق عمل تلك المنظمات.

* ثانياً، المؤسسات العامة وبخاصة تلك التي لا تفصح عن أنظمتها الداخلية المتعلقة بجوانب الإعارة أو التي تضع المعوقات والعراقيل أمام انضمام الكفاءات للمنظمات الدولية، مثل التهديد بفقدان الوظيفة الأصلية في حال السفر أو استعادة الموظف بعد مرور فترة قصيرة من عمله. فأغلب دول العالم تعامل الانضمام لتلك المؤسسات الدولية والإقليمية على أنه (مهمة أساسية) وتمثيل للوطن، جدير بالتقدير. ولهذا فإن هناك حاجة ملحة لتطوير الأنظمة والإفصاح عنها بما يشجع على إعارة الكفاءات الوطنية للعمل في المؤسسات الدولية، وبما يضمن حماية حقوق الخبير في حال عودته للوطن، بعد خدمته في أي من المنظمات الدولية.

* العامل الثالث، والذي ينطوي في اعتقادي على أهمية كبيرة، وربما يتطلب تدخلاً حكومياً من خلال ممثلي المملكة في تلك المنظمات، وهو المطالبة بحصول الكفاءات السعودية المؤهلة على حد أدنى من الوظائف كل عام، أو في بعض القطاعات. فلا شك أن هناك فجوة بين القدرات والكفاءات الوطنية والكفاءات الوافدة من بلدان أوروبية تفسرها العديد من الاعتبارات، ولهذا ليس غريباً أن يكون أغلب العاملين في تلك المؤسسات من أوروبا وشمال أمريكا. فالمطلوب، ولفترة انتقالية معينة، أن تكون هناك فرصة لاستقطاب المتميزين من السعوديين للانضمام لتلك المنظمات، بحيث يتم بناء جيل مؤسس، تنطلق على يديه مدرسة من الكفاءات الوطنية، لتمثل المملكة في تلك المنظمات تمثيلاً يعكس وزنها وحجم مساهمتها في موازنات تلك المنظمات. ويمكن أن تشكل الكفاءات الوطنية الموجودة العاملة حالياً بالسفارات والمؤسسات الوطنية ذات التواجد والحضور العالمي (مثل أرامكو وسابك والصندوق السعودي للتنمية) أو ذات التدريب المهني المتقدم (مثل صندوق التنمية الصناعية السعودي وشركات الاتصالات) لبنة وقناة رئيسة يمكن استثمارها للتوسع في تمثيل الكفاءات الوطنية بالمنظمات الدولية.

هذا يمكن أن يشكل توسع توظيف الخبراء السعوديين في مؤسسات إقليمية (في مختلف القطاعات) كجامعة الدول العربية بمختلف أقسامها، أو مجلس التعاون لدول الخليج العربي نقطة انطلاق وتأسيس قوية، لبناء جيل قادر على المنافسة في اقتناص الفرص التي توفرها منظمات دولية كالأمم المتحدة أو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي.

لقد انضمت المملكة إلى مجموعة العشرين الكبار، كما أن تمثيلها في المنظمات الدولية المختلفة، ومن ثم تأثيرها في صنع القرار العالمي في سبيله لأن يتضاعف، ولمواكبة هذه الطفرة، ينبغي أن يتم بناء جيل من الكفاءات الوطنية المؤهلة علمياً وفنياً وتدريبياً، لترجمة مصالح المملكة داخل أروقة المنظمات الدولية، وبما يضمن أيضاً تعظيم العائد على المساهمات المالية الوطنية في موازنات تلك المنظمات، وكل هذا يتطلب وجود جهاز وطني، يضم ممثلين لمختلف الجهات المعنية كوزارات التعليم العالي والخارجية والمؤسسات الوطنية الكبرى (العامة والخاصة)، بحيث يتولى هذا الجهاز وضع إستراتيجية واضحة المعالم، يتم من خلالها تحديد المشكلة، والعوامل المسببة لها، وسبل وآليات التغلب عليها. لابد وأن يتم حصر الفرص الوظيفية المختلفة التي توفرها المؤسسات الدولية، وتحليل فرص ومعوقات ملئها بالكفاءات الوطنية، مع وضع أهداف قابلة للتنفيذ في إطار زمني محدد. بهذه الطريقة العلمية، يمكن أن نضمن توازناً حقيقياً بين وزن المملكة ومساهماتها في المنظمات الدولية وبين مشاركة الكفاءات الوطنية بخبراتهم، واكتسابهم للمهارات من خلال عملهم في تلك المنظمات.

والله الموفق.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد