Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/06/2009 G Issue 13422
الأحد 05 رجب 1430   العدد  13422

قراءة في كتاب (أسرة آل الشثري علماؤهم وتاريخهم)

 

إن من أعسر الأشياء على من يروم الموضوعية ويزعم الحياد تجاه الظواهر الاجتماعية والتاريخية أن يتحدث عن النحن، ومع ذلك سأقدم هذه القراءة السريعة لكتاب الدكتور محمد بن ناصر الشثري؛ فقد حرك هذا الكتاب في مخيلتي أشياء كثيرة نقلتني إلى الوراء أكثر من خمسة قرون فشممت رائحة الطين والبارود والماء والنخيل وسمعت صوت السانية وتلاوات القراء في المساجد وابتهالات العباد بالأسحار ورأيت طلاب العلم وهم يلتفون حول الشيخ الوقور وأحسست بالنخوة والشهامة العربية وأشياء أخرى وكأنني أتجول في أفلاج القرن السابع وما بعده.. نعم لقد ولدت في الأفلاج فهي ملاعب طفولتي ومراتع صباي وتنقلات شبابي.. يالله لتلك الأيام كنت أطوف مع الصباحات الباكرة جداً على القلاع والحصون التي ذكرها الدكتور محمد وأقف على الرسوم والأطلال.

هناك كان لأسرتي حضارة مجيدة حيث صيحات الحرب وأنات الحب حيث العلوم ونصرة الدين حيث قافلة التجارة وحنين الإبل ومحراث الزراعة وأناشيد الفلاحين

العلم ونشره

ابتدأ المؤلف بتراجم علماء أسرة الشثري، ومنها هذه المقطوعات:

- الشيخ ناصر بن عبدالعزيز الشثري والد المؤلف وهو والد المنتسبين إلى الأسرة اليوم جميعاً لسعة صدره ورجاحة عقلة وتجاربه العريضة. ذكر عنه المؤلف أنه قرأ على والده الحديث والفقه والتوحيد والنحو والفرائض وجلس في المسجد لتعليم ما مر، ومن الذين قرأوا عليه الشيخ عبدالله بن جبرين. عُيّن الشيخ ناصر بعد ذلك في الإرشاد الديني بالحرس الوطني فأنشأ إدارة الشؤون الدينية بالحرس وأشرف على بناء المساجد في مناطق ومعسكرات الحرس كما ساهم في إنشاء مدارس تحفيظ القرآن فظهر في الحرس مرشدين ووعاظ في جميع القطاعات وبعده عين مستشاراً في الديوان الملكي. وبعد وفاة والده جلس للتدريس في المسجد وقراءة المطولات في علوم الشريعة.

- بعد ذلك الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري وقد ترجم له الشيخ عبدالله بن جبرين وذكر أنه هو ووالده طلبا العلم على يد الشيخ عبدالعزيز، ومما قاله: (تعلَّم الشيخ عبدالعزيز على والده ومشايخ بلده مبادئ العلوم ثم انتقل إلى الرياض فتضلع في العلم؛ فصدر أمر الملك عبدالعزيز بتعيينه قاضياً وخطيباً ومفتياً ومعلماً في الرين فتم على يديه بناء المساجد وتعيين الأئمة وحصل بواسطته تآلف ومودة لقوم عاشوا في جاهلية وشر؛ فتنقل بينهم معلماً وناصحاً وموجهاً صابراً ومحتسباً. ولقد شارك في عدد من الغزوات لرفع راية التوحيد وتحقيق الوحدة عاد بعدها للرياض وشارك في النهضة العلمية فدرس هناك علوم الشريعة)

وذكر (من أخلاقه التواضع مع جاهه عند الملوك والأمراء الذين كانوا يستمعون إليه كثيراً ويقبلون شفاعته ويأخذون برأيه وكذلك كرمه الفياض على الجميع وأيضاً الغيرة الشديدة على حرمات الله؛ فهو يغير المنكر ويمحو البدع ويقمع أهلها لا يخاف في ذلك لومة لائم).

- وكذلك الشيخ محمد بن علي الشثري نشأ في بيت علم ودين؛ طلب العلم وجلس للتعليم بمسجد الطرادي بالحوطة؛ فالتف حوله طلاب العلم وقد زاره الملك عبدالعزيز في منزله الدروازة إكراماً له..

- وغيرهم ممن لا يتسع المكان لذكرهم.

الجهاد

من مواقف هذه الأسرة في الجهاد مشاركتهم في موقعة الأتراك بالحوطة ومن الذين شاركوا الشيخ عيسى بن إبراهيم الشثري فجاهد واستأجر رجالاً ليسقوا الجيش تبرعاً منه وهو من العلماء وله مكاتبات مع الإمام فيصل بن تركي وأيضاً من المجاهدين الشيخ صالح بن محمد الشثري، وقد قرأ على عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ وغيره وله عدد من المؤلفات وعلى رأس المجاهدين الشيخ إبراهيم بن حمد الشثري وهو من العلماء وسبق أن ذهب لأبها لنشر العلم؛ فكانت له حلقات هناك وقد بعث للإمام فيصل بن تركي بقصيدة، منها:

إليك من الشثري نظماً تضوعت

أزاهيره عطراً وطابت مسابك

إليك من الأفلاج فرسان أقبلت

على ضمر للجسم زهوا عوالك

وقال بحق الأتراك:

فلا تحسبي التهديد منهم أخافنا

لدينا سيوف على الرقاب سواهك

خرج هذا الشيخ للأتراك (وهم سبعة آلاف مقاتل) لما أقبلوا على الحوطة وعرض عليهم المال وكان ذا مال ليكفوا عن البلدة فأبوا إلا الاستسلام أو الدمار؛ فعاد للحوطة وقد جعل غترته على عصاه كالراية وجعل يهتف بالأشعار الحماسية يستثير الهمم للقتال؛ فجهز الشباب أمام المسجد وأحضر قفافاً مملوؤةً ذهباً لمؤونة الحرب فأخذ الشيخ يصنع البارود بنفسه ويرتجز أراجيز الحرب ودارت رحى المعركة وانتصروا على الأتراك.

قدم بعدها الإمام فيصل بن تركي الحوطة واتخذ له فيها قصراً ونظم قصيدة يثني فيها على أهل الحوطة.

الحضارة

كانت عاصمة الأفلاج ليلى على ليلى العامرية وقد سماها ليلى أمير الشثور محمد؛ فكانت تسمى ليلى محمد ثم أنشأوا النقية والمعنى أنه لا يسكنها إلا هم، وكانت مزدهرة بالحضارة والتجارة والعلم والعلماء وكانت قوافلهم تصل إلى الأحساء والخليج شرقاً واليمن جنوباً ومكة والمدينة غرباً وكان فيها الكثير من العلماء والشعراء وبها الحصون والقلاع والقصور. وكانوا ينحرون في اليوم الواحد عشراً من الإبل، وفي ذات يوم أرسل أمير ليلى الشثري خيالاً ليأتيه بباقي اللحم كي يغذي الصقور؛ فوجد اللحم قد نفد؛ مما يدل على توسع البلد وكثرة سكانها.

هذا غيض من فيض الكتاب غرضنا منه الحفز على مواصلة مجد الأوائل ورفع هذا الصرح الشامخ الذي سقاه الأجداد بالدماء والعرق؛ فقد شاد لنا المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن مملكة عظيمة ننعم في ظلها بالأمن والإيمان، وقد قال الملك المؤسس: لقد منَّ الله علينا بالأمن والإيمان فمَن كان له بيت قبل هذا فليحافظ على بيته، ومَن لم يكن له بيت فليبنِ له بيتاً بالعلم. ويروي الريحاني أن الملك عبدالعزيز لما رأى البنَّاء قد كتب هذين البيتين على مقدمة قصر المربع:

لسنا وإن كرمت أوائلنا

يوماً على الأنساب نتكل

نبني مثلما كانت أوائلنا

تبني ونفعل مثلما فعلوا

فقال الملك عبدالعزيز بل اكتب:

نبني مثلما كانت أوائلنا

تبني ونفعل (فوق) ما فعلوا

وقد ضمَّن الكتاب وثائق ومراسلات بين مشايخ الشثور وأمراء الدولة السعودية فيصل بن تركي وسعود بن فيصل، وقد استلم الأمير سلمان بن عبدالعزيز نسخته من الكتاب وأثنى عليه الثناء العاطر.

إن هذا الكتاب عبارة عن وثيقة تاريخية لحقبة تكاد تكون مطموسة المعالم؛ فهو جهد يذكر للدكتور، ونحن في انتظار الجزء الثاني، وكل عام والوطن يفخر برجاله.

تركي بن رشود الشثري

t - alsh3@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد