Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/06/2009 G Issue 13422
الأحد 05 رجب 1430   العدد  13422
العُرْضِيَّة كما جاءت في رسائل
جلالة الملك عبد العزيز ومخطوط المنصوري

 

لا ريب أن الباحث عن تهامة العُرْضِيَّه في أطوار التاريخ ومراحله السابقة سيجد صعوبة في جزئيات الحقائق التاريخية، لأنها لم تأت في كتب الإخباريين منفردة، وإنما ذُكرت ضمن التاريخ العام لجنوب جزيرة العرب، وهنا تكمن صعوبة اقتناص الأخبار والأحداث ومن ثم رصدها، وقد جاء في دائرة المعارف الإسلامية عند التعريف ل - اسم تهامة - أنه يأتي بمعنى الغور أو السافلة وهذا الوصف ينطبق على العرضية.

وأثناء البحث في أحداث القرن الثالث عشر الهجري عثرت على مخطوط للمنصوري قام فيه برصد ما مرت بها المنطقة بالتفصيل، وجاء فيه ما يتعلق بالعُرْضِيَّه آنذاك، علماً بأنه أدرج في مخطوطه الأحداث التي وقعت بين عامي 1193هـ وحتى عام 1310هـ. وفيما يتعلق بالرسائل القديمة لم أقف على رسائل تتعلق بها خلال الفترة التي سبقت الثلاثينات الهجرية أو على نص صريح بتلك الرسائل يذكر العُرْضِيَّه، لأنه وفي الواقع أن المعلومات المتعلقة بهذا الجانب قليلة، إلا أنني بعد أن اطلعت على بعض من رسائل المؤسس - رحمه الله - فيما بعد والموجّهة لأمير بيشة وأمير القنفذة، استطعت أن أصل إلى تفاصيل تلك الحقبة الزمنية وما تحمله من دلالات تاريخية عن المنطقة.

ومن خلال الوثيقة التي تعود إلى مطلع الأربعينات الهجرية (1) والمرسلة من جلالة الملك عبد العزيز إلى الأمير عبد الله بن محمد بن معمر أمير بيشة، والذي جاء خلفاً لأميرها السابق عبد الرحمن بن ثنيان، يتضح لنا إشارات لم نكن على دراية بها من قبل، جاء منها أن العُرْضِيَّه قبل أن تصبح تابعة لمقاطعة القنفذة كانت من أعمال بيشة، وهذا يحسم الجدل الدائر حول ذلك بين مؤرخي المنطقة، والذي تعود أسبابه في رأيي إلى عدم وجود مسوغ صريح لديهم ينص على ارتباطها ببيشة من قبل، أما الأمر الآخر فهو ما لمسه الأهالي من شفقة جلالة الملك عبد العزيز على رعاياه وعدم المشقة عليهم لما يمثله ارتباطهم بإمارة بيشة من العناء والتعب ولبعد المسافة إليها، ولهذا السبب ولغيره فقد طلبوا إليه أن يضمهم إلى القنفذة لقربها منهم. وهؤلاء في رأيي ومن خلال ما وصلني ليسوا هم الوفد الذين قدموا عليه في خبت الرغامة عند حصاره ل جدة، والذين جاءوا بمعية الشيخ أحمد بن وهاس والشيخ صالح بن خضران لمؤازرته وتجديد الولاء والطاعة في تاريخ 20 شوال 1343ه وتنفيذاً للأمر الموجّه ل عبد الله بن عسكر أمير أبها، وإنما المعنيون وفد آخر جاءوه في فترة سابقة ولا نعلم أين قدموا عليه ولم نصل إلى تفاصيل عن ذلك، أما ما مر بنا هنا أنهم جاءوا إليه في 8 ربيع الآخر عام 1343ه، وأوضح رحمه الله في رسالته أن المسافة التي تفصل العُرْضِيَّه عن القنفذة مسيرة يوم واحد ولنا هنا وقفة، فمن الملاحظ أنه حتى الرحلات الجغرافية التي جاءت للمنطقة قبل هذا التاريخ لم تشر إلى ذلك، وهذا يدلنا على ما كان يتمتع به المؤسس من الدقة في الوصف والإلمام والدراية بشئون تلك الجهات من بلاده والتي قد نالت حظاً من اهتمامه - رحمه الله -.

وفي ثنايا هذا الخط يتضح جلياً بأنّ أهالي العُرْضِيَّه قد عانوا كثيراً من انضمامهم إلى بيشة، وعلى كل فقد أجابهم - رحمه الله - وأعادهم إلى القنفذة كما أرادوا.

أما الوثيقة التالية فهي موجهة إلى أمير القنفذة، فهد بن محمد بن زعير والتي أوعز إليه بها أن يقف بنفسه على شئون العُرْضِيَّه، لذا عهد إليه بإمرتها أو من يراه من الطارفة (2). وأكد عليه بأن جميع شئون أهالي العُرْضِيَّه (ودعاويهم) مرجعها إلى الشرع المطهر. ويتبين لنا أمر آخر وهو أن وكيل مالية العُرْضِيَّه في ذلك الوقت هو عبد الوهاب بن محمد أبو ملحه (3) وهي أول إشارة لعمل عبد الوهاب أبو ملحة على شئون المالية بها لغياب وجود ما نستند إليه سوى ما ألمح إليه في رسالة أخرى موجهة إلى عبد الوهاب بالعمل على ما يخص بعض الجهات التابعة للقنفذة.

وإليك أخي القارئ الكريم نص الوثيقة الأولى:

عدد خط ابن معمر

70

من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل

إلى جناب المكرم الأفخم عبدالله بن محمد ابن معمر سلمه الله أمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

خصوصاً من طرف العُرْضِيَّه فهم كانو سابقا تابعين إلى القنفذة والآن طلبو منا إرجاعهم إليها الآن ما بينهم وبينها إلا يوم واحد وقد أجبناهم إلى طلبهم وأرجعناهم إلى القنفذة فانتم إن شاء الله تعتمدون ذالك ويكون أمرهم ومراجعتهم إلى أمير القنفذة يكون معلوم والسلام.

8 ربيع 2

والوثيقة الثانية عبارة عن رسالة موجّهة من جلالة الملك المؤسس لعامله على القنفذة في سنة 1343هـ ونصها كما يلي:

عدد

704

من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل

إلى جناب المكرم الأفخم فهد ابن زعير سلمه الله

بعد السلام عليكم ورحمت الله وبركاته

ثم من خصوص العُرْضِيَّه فأمرها راجعا إليكم وانتم إن شاء الله تجعلون لها طارفة من قبلكم يستقيم فيها وجميع أمورها ودعاويهم مرجعها إلى الشرع وقد بلغنا عبدالوهاب بما يلزم لابد انه يصلكم فيراجعكم بما يجب يكون معلوم والسلام 8 ربيع 2 (4)

وقبل تلك الرسائل كانت هناك بعض الإشارات في كتب الباحثين القدامى وكتب الرحلات، ولعلنا نورد منها هنا ما قاله الرحالة الإنجليزي السير كناهان كورنواليس الذي قدم إليها قبل حوالي المائة عام وتحديداً في عام 1334هـ. فأورد في كتابه.. يسكنون قبيلة بلقرن منطقة العردية (العُرْضِيَّه) وهم مقيمون يشتغلون بالزراعة، وزعيمهم الشيخ مجري بن سعيد. وقبائلهم الفرعية الرئيسية بني سهيم والمبني والضروة والعتيم. وأضاف أنهم أصدقاء مع بلقرن السراة ويساعدان بعضهما البعض. وقد تطرق لمن يجاورهم فيها وهم غامد وشمران وذكر أن خثعم أصدقاء لبلقرن في تهامة. كما ذكر أن قبيلة بلقرن في العُرْضِيَّه معروفة جيداً بكرمها وأن المرور عبر أراضي العُرْضِيَّه وأهلها سليم ومأمون.

كما أود أن أضيف أن هناك ممن سبق إليها في أزمنة مضت ومنهم أيوب صبري الذي قام برحلة إلى العُرْضِيَّه في نهاية القرن الثالث عشر والتي أدرجت في كتابه الذي انتهى من تأليفه سنة 1289هـ وطبع في الأستانة سنة 1306هـ، وقد كان هذا الكتاب خطوة كبيرة في سبيل توضيح تاريخ المنطقة وجغرافيتها والإنسان الذي عاش على أرضها، فتحدث عن تاريخها السياسي والاجتماعي وجغرافيتها الاقتصادية والبشرية وأنساب قبائلها وعاداتهم وتقاليدهم وأشهر المواقع بها وأوديتها، وقد تطرّق للعادات الجارية بينهم مجرى القانون كشروط الاستفادة من مرعى الغير أيام القحط والحر، وتقفي الأثر، وقانون رفيق الجنب الذي كان سائداً تلك الفترة بالمنطقة، والذي أشار إليه شعراؤها آنذاك كثيراً في قصائدهم ومنهم الشاعر صالح بن خضران، إن نظام رفيق الجنب هذا قانون يحدد سلوك الرفقاء ورفاقة الطريق، فمثلاً لو أن أحد الأعراب المقيمين على جانبي الطريق الذي ستسلكه القافلة، توجه إليها وأكل من طعامها أو شرب من قهوتها فمن حق هذه القافلة عليه الحماية والرعاية طالما أنها تجتاز حدود منطقته، رعاية منه لأصول الحماية.

ولما كانت هذه العادات والأصول مرعية بدقة بين أعراب العُرْضِيَّه فقد يكفي عابر السبيل رشفة ماء من قرية حتى يكتسب حمايتها. هذا هو قانون رفيق الجنب باختصار الذي كان سائداً بالعُرْضِيَّه والذي ينظم رفاقة الطريق.

ولم يتأت ذلك كله إلا لمؤلف جاب هذه الديار كثيراً وعاش فيها وعايش أهلها، فكان كلامه صادقاً وواقعياً. وقد ذكر أنه أثناء رحلته إلى تهامة مر على وادي قنونا في العُرْضِيَّه فورد في كتابه ما نصه:

يقع وادي كنونة (قنونا) بالقرب من القنفذة في الطرف الشمالي من بلاد اليمن وإلى الجنوب، وأن هذا الوادي يسكنه عدة قبائل ومنها (بني سهيم الداخلة في وادي كنونة)، ويبلغ تعداد نفوس هذه القبائل ما يربو على ستة آلاف شخص. وهناك وادي يبه ملاصق للوادي سابق الذكر. وفي وادي قنونا تقيم عدة قبائل ومنها بني المنتشر وبالعريان والعوامر ويبلغ تعدادهم حوالي أربعة آلاف نفس.

ومما ورد في المرآة (أن المرحلة التي تسبق قنونا والتي تنزل بها القوافل كانت خاضعة لأحد ملوك دولة بني رسول وهو الملك عمرو بن منصور وهي من جملة آثار ذلك الملك)، فلعلنا من هذه الإشارة نضطلع بأن وادي قنونا على نحو خاص والعُرْضِيَّه بوجه عام والقريبة من تلك المرحلة كانت هي أيضاً تابعة لدولة بني رسول.

ومما ذكره عن أحداث سنة 963هـ قوله ثم تتحرك قوافل الحج وتعاود سيرها حتى تنزل في استراحة قنونا، وهذه الاستراحة في وادٍ مياهه وفيرة وله اسم آخر هو الواديين (5). انتهى كلام المؤلف، ونؤكد على دقة وصفه لمنطقة قنونا بالعُرْضِيَّه إذ أنها في الوقت الحاضر ومن خلال مشاهداتي الشخصية تقع على طريق القوافل القديمة ومياهها وفيرة.

وتأتي وثيقة أخرى متوافقة مع الوقت الذي زار فيه صاحب كتاب المرآة للعرضية وقد حررت في غرة ربيع الآخر لسنة 1282هـ والتي ورد فيها حدود العرضية بالتفصيل: (بلاد عسير وما ألحق إليها من بلاد بالقرن وشمران، وأما العرضية التي هي من تهامة المعقص وحدود العرضية المذكورة من البدلة بلاد بالقرن وشام ومن الحجاز وادي الحفيا وشام داخل فيها قرية من حشعم (خثعم) يقال لهم بني ميمون، ومن المشرق رنية حد بلاد غامد آل سير (آل سيَّار) وحلي بن يعقوب وعمور).

أما فيما يتعلق بمخطوط المنصوري، وما وقفنا عليه من نسبه هو محمد بن عبد الله المنصوري الذي ولد في قرية المصنعة من قرى بلجرشي سنة 1233هـ، والمتوفي في عام 1311هـ بعد عمر حافل برحلات طلب العلم وقبل أن يصبح قاضياً لغامد وزهران.

وتاريخه مخطوط نادر ذو قيمة علمية ممتازة، قام فيه بتسجيل الحوادث التاريخية منذ عام 1193هـ حتى عام 1310هـ بحسب ما اطلعت عليه والذي قام بتدوينه بخط يده، وقد جاء في بعض من نصه: بسم الله الرحمن، الحمد لله الذي كل يوم هو في شأن، خلق الإنسان وعلمه البيان، واستأثر بعلم الغيب واختلاف الملوان، لا اله الا الله الملك الديان، أشهد له بالوحدانية، واعترف له بالعبودية، وأؤمن بقضائه، واستسلم لقدره في كل زمان وأوان، وأعلم أن حكمته سابقة بما هو كاين، وما قد كان، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، سيد ولد عدنان، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه وكل من انتسب إليه عدد ما وسعه علم الرحمن، وبعد، فهذا تاريخ جمعته بحسب ما اطلعت عليه من قول ثقة أو ما حفظته عن ناقليه فيما سبقني، والله ولي التوفيق سبحانه وتعالى. ومما جاء في المخطوط أنه في سنة 1212هـ فيها وصل أمر سعود(6) إلى الحجاز وتهامة، وفي سنة 1215 وصل أمره إلى مكة ودخلها يوم السبت ثالث أو رابع شهر الحجة. وحصلت المناظرة بينه وبين علماء مكة وأقروا له اعترفوا بفضله ومما جاء خبره عن قنونا وقرية آل طارق القريبة من ثريبان قوله سنة 1266هـ طلع عبد الله بن ناصر من قنونا بعد أخذ آل طارق وأقام بثريبان بئر وأصلح فتناً هناك ثم مشى للحج ولم يرجع وسنة 1270هـ وصل أمير عسير إلى عمارة بالعُرْضِيَّه وأخذهم ووصل إلى المخواة ورجع، وذكر أن في أول سنة 1290هـ حل بأهل العُرْضِيَّه القحط وأشار إلى حادثة صعودهم للسراة(7)، (وفي سنة 1304هـ خرج حسني إلى بلاد خثعم) (وفي سنة 1306هـ فيها ابتداء الوقت على أهل تهامه).

ولعلّي في هذا المقال قد أتيت على بعض مما كنت أرجو أن أصل إليه لإبراز جانب من التاريخ القديم للعرضية، ومما اهتديت إليه من خلال الرسائل والأحداث والوثائق والرحلات الجغرافية.

* * *

الهوامش:

(1) بعد الاطلاع على الفترة التي كان ابن معمر وابن زعير أمراء على تلك النواحي وأعني منطقتي بيشة والقنفذة، وبما أن العُرْضِيَّه لم تظم لجلالة الملك المؤسس من قبل ذلك، فنرجح أن تاريخ الرسالة هو عام 1343هـ.

(2) الطارفة مصطلح قديم كان دارجاً في تلك الفترة وهو الأمير الذي يقوم بتعيينه الحاكم أو عامله على المنطقة.

(3) هو عبد الوهاب بن محمد أبو ملحة المتحمي، أحد رجالات الملك عبد العزيز المخلصين وأحد المقربين من جلالته والذي كان يعتمد عليه ويثق به كثيراً.

(4) الوثيقة الأولى والتي تحمل الرقم 70 والموجهة لأمير بيشة، والوثيقة الثانية والتي تحمل الرقم 704 والموجهة لأمير القنفذة، محفوظة لديّ في مكتبتي الخاصة.

(5) يسمى حالياً حداب الواديين وعدد سكانه مائة نفس ويبعد عن مركز إمارة ثريبان بالعُرْضِيَّه ثمانية عشر كيلاً ومساحته أحد عشر كيلو متراً مربعاً.

(6) هو سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود أحد أئمة الدولة السعودية الأولى.

(7) وردت حادثة القحط الذي أصاب العُرْضِيَّه في أول سنة 1290هـ وصعودهم إلى الحجاز ومشاركة الناس لهم في مخطوط جعّاث.

عبد الهادي بن مجنَّي


bnmgni@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد