ما زالت أصداء تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية عن الفقر الذي ناقشه مجلس الشورى مؤخراً تحتل صدارة الحديث في المجالس. هذا التقرير أثبت بالأرقام وجود (ثلاثة ملايين فقير)؛ ما يعنى أن استراتيجية التنمية في المملكة تحتاج إلى الكثير من التمحيص والمراجعة؛ بالشكل والمضمون الذي يجعل (الأولوية) المطلقة في خطط التنمية للبشر ومكافحة الفقر الذي سيحول الإنسان الفقير (حتماً) إلى مشكلة اجتماعية.
القادم إلى المملكة من خارجها سينبهر وهو يرى المباني والطرقات والأسواق والعربات الفارهة، وهذا الخليط من البشر الذي أتى من مشارق الأرض ومغاربها يلقاك في كل زاوية. سيتبادر إلى ذهنه فوراً أن هذه المظاهر التي تبهر الأنظار أتت نتيجة لخطط تنموية (متوازنة)، وازنت بين تنمية الإنسان والعناية بالمظاهر. غير أن هذا الانبهار سيتحول إلى انبهار من نوع آخر، معاكس له في الاتجاه تماماً، عندما يعلم أن هناك (واحد) من بين (أربعة) سعوديين تقريباً - كما يقول تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية - يئن تحت وطأة الفقر؛ يعيش بين ناطحات السحاب في مدننا الرئيسية؛ وطرقنا التي تتفوق على مثيلاتها في الدول المتطورة، وبنوكنا الأنيقة، ومتاجرنا التي تحتوي على آخر ما توصل إليه الغرب والشرق معاً، ولا يجد في نهاية يومه ما يسد رمقه.
مسؤولية هذه النتائج التنموية التي (يندى لها الجبين) تتحملها كل الوزارات في تقديري، كل في مجال تخصصه، غير أن وزارة الاقتصاد والتخطيط تتحمل الجزء الأكبر من هذه النتائج المأساوية. هذه الوزارة التي لا يدري من يعيش خارجها ماذا يدور داخلها، هي المسؤولة (أولاً) عن رسم استراتيجية التنمية لكل أجهزة الدولة، و(ثانياً) - وهذا الجانب المهم - عن (التنسيق) بين أجهزة الدولة المختلفة، و(متابعة) نتائج ما تم التخطيط له أولاً بأول، لنكتشف في النهاية أن عمل هذه الوزارة (العتيدة) منذ أن أنشئت كهيئة، ثم كوزارة، على مدى أربعة عقود تقريباً، أنتجت (ثلاثة ملايين) فقير، وفي جوارهم يعيش من تتصدر أسماؤهم قوائم (أغنى الأغنياء) في العالم!!
يقول وزير الاقتصاد والتخطيط الأستاذ خالد القصيبي في كلمته التي دوّنها في مقدمة خطة التنمية الثامنة (2005 - 2009م) ما نصه: (وفي نهاية المطاف لا بد من الإشارة إلى أن التنمية لا تقتصر فقط على سبيل المثال على تشييد المصانع والسدود، والطرق، ولكنها في المقام الأول تهتم بالإنسان، وهدفها الأساسي هو تحقيق متطلباته المادية، والثقافية، والروحية، فالعنصر البشري والبعد الإنساني هو جوهر قضية التنمية) انتهى.
والسؤال الذي بودي أن أطرحه على معالي وزير الاقتصاد والتخطيط امتداداً لما كتبه بنفسه في مقدمة خطته التنموية الثامنة: هل تشعر أن المهمة التي أوكلها خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - للوزارة وأنت وزيرها، قد كللت (في نهاية المطاف) بالنجاح، ونحن نعيش الآن في نهاية السنة الأخيرة من الخطة، والفقراء يشكلون (ربع) سكان المملكة تقريباً كما هو التقرير الذي وقع عليه زميلك وزير الشؤون الاجتماعية؟ ثم إذا كان (العنصر البشري والبعد الإنساني هو جوهر قضية التنمية) - كما جاء في مقدمة الخطة الثامنة - فإننا أمام احتمالين لا ثالث لهما: إما أن تقرير وزارة الشؤون الاجتماعية خاطئ، أو أن وزارتكم قد (أخفقت) في تنفيذ مهامها، فأنتج هذا الإخفاق (ثلاثة ملايين) فقير! هل هناك احتمال ثالث يا معالي الوزير؟ إلى اللقاء