الأفكار التي تدور خلف الأبواب المغلقة تجعلنا ننام وأبوابنا مفتوحة المصاريع خوفاً من فكرة تخرج من خلف الباب فتدمر حياتنا.. هذا الرعب الذي تخلقه الأبواب والكواليس كفيل وحده أن يجعلنا ننام بعين واحدة يصيبنا الهوس ثم نرمي حمولنا على الآخرين لأن ظهورنا مكسورة!!
ما هذا العراك الذي يعصف بدواخلنا بين الفكرة والعاطفة.. ولماذا أحبتنا يستغلون الفكرة ويعزفون عليها إلى أن تجدب عواطفنا ويعوّج عودنا وتصبح سماؤنا شحيحة لا تمطر إلا حزناً وأرضنا جدباء لا تنبت إلا الموت تقول: أشعلت لك أصابعي العشر شموعاً.. وأضأت لك قلبي قنديلاً وحجزت الظلمة داخل أسوار نفسي وتصدعت روحي ألماً وأنيناً.. وما عرفت أنك تستغلين أصابعي المشتعلة لتنير لك درباً دهاليزه ظلماء حالكة وطرقاته معوجة معربدة.. وما كفاك أن حمَّلت قلبي القنديل لتري تفاصيل هزيمتي معك وأوزار حزني مع الزمن المشمرة عن ساقيها.. ما كفاك أنني استأمنتك على ذاتي وجعلت بها ثقباً ويكاد نزيفها يبلل أحشائي.. نسيت في زحمة خطواتي لأجلك أنني أمتلك نحوك حاسة قوية أعرف بها أنك تمكرين بي وبطمأنينتي.. أرتدي ثوب الخوف وأفترش القلق وألتحف الألم وأتنفس عبث خياناتك لي وما تحيكينه لي بالظلام حتى إذا ما فتحت الشمس عينيها وجدت الحقائق تقصم ظهري وتشعل داخلي فتيل الأسى..!!
ماذا صنعت لأجد منك هذا الجحود غير أنني فرشت لك سنوات عمري المزهرة لتطأها أقدامك وكنت ممتنة لتضحياتي عسى أن تجعل منك جبلاً شامخاً ونخلة مثمرة.. طالت هامتك واشتد عودك.. وما رأيت منك شموخ جبل ولا ثمرة نخيل.. لماذا مزقت كل أوراق ثقتي بك فما عدت قادرة أن أعطيك عهداً ولا أمنحك وعداً ووصلت معك إلى طريق هلاك.. أتدرين ما الهلاك, ذلك الذي يجعلني لو رأيتك في محراب صلاتك تبتهلين وتسبحين وتستغفرين لظننت أن الساعة قائمة.. وظننت أنني ساجد عند ربي خير منقلب، وأن ربي لطيف بما يشاء..!!
لماذا فعلت كل شيء.. وكأنك لم تفعلي.. وأوجفت قلبي حتى صار كجلمود صخر ما عاد رجساً ولا يهمس نبضاً ولا يخفق حباً.. لماذا جعلتِه كالصريم ولم تتوقفي لحظة واحدة عند منعطف من منعطفاتك التي أودت بقلبي للجحيم؟!
بقي أن أسألك قبل سنيني العجاف.. وقبل أن تقرأي عليَّ التراتيل.. ماذا تخبئين لي بعد كل هذا المخاض؟!
تلويحة
أيتها الغيمة الماطرة.. افيضي عليّ من نعمائك.. واغسلي أدران أحشائي بسيلك الغدق، فأنت تشبهين قلبي حينما يمتلئ يمطر إبداعاً!!
اغسلي ما شئت أن تغسلي من ذكريات روحي التي أنبتت عشباً استوى على سوقه ثم اصفر وحان جثاثه!!
لك الله يا غيمة أثقلت بالسحاب واهتزت رعداً وأنارت برقاً ثم انهالت فوق رأسي بماء ثجاج.. من يحمي أدغال روحي التي امتلأت بالأحداث والأبجدية تفصيلاً وفاضت منها رائحة المطر واستنشقتها حتى بدأت أتنفسها زفيراً وشهيقاً!!
فوزية ناصر النعيم