Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/06/2009 G Issue 13415
الأحد 28 جمادىالآخرة 1430   العدد  13415

دفن الأحياء
د. موسى بن عيسى العويس

 

* انتهى وأد البنات بإشراقة شمس الإسلام الخالدة من هذه الجزيرة، وعدّ الناس ذلك الصنيع من بقايا الإرث الجاهلي المرفوض والمذموم، ولم يعد للخشية من الفقر، أو الخوف من العار أمام المجتمع مبررا لارتكاب مثل تلك الجرائم البشعة بحق الإنسانية عامة..

.. هكذا الناس يعتقدون ويتصورون حاضرا، وباعتقادي أن هذه العادة ما زالت تمارس بشكل آخر وبصورة مختلفة مع بعض الأحياء، وهي في الحقيقة ظاهرة لا تقل بشاعة، أو جرما وفظاعة عما وصل إلينا بطرق مختلفة، تتباين فيها الحقيقة، عدا ما ورد في (القرآن الكريم).

* المتأمل في أحوال بعض المسنين، ومن امتدت بهم الحياة، أو تعرّضوا لظروف صحية مزمنة ألزمتهم الفراش، أو فرضت عليهم العزلة عن ممارسة الحياة مع الناس بشكل طبيعي، المتأمل في حياة أولئك يدرك أنهم وأدوا من الغير، وهم أحياء يرزقون، ويدرك في الوقت نفسه خطورة ما آلت إليه العلاقات الأسرية والمجتمعية من تفكك وانفصال، وما شابها من العقوق والنكران في حياتنا. قد تكون بعض تلك الشخصيات المكلومة عرفت بوجاهتها، أو بشهرتها في أي مجال، أو عرفت بشجاعتها وقوتها، فيكون وقع المشهد عليك وعليهم أكثر إيلاما وأشد نكرا من أي طبقة أخرى.

* في مثل هذا الموضوع، أو تلك القضية لا يمكن أن نتخذ مجالا للمقارنة والموازنة بيننا وبين العوالم الأخرى من حولنا، ولا يجب أن يكونوا هم القدوة والمثال الذي يجب أن نتبعه ونحتذيه.

* قاسية هي تلك الحياة المريرة التي يتمنى معها صاحبه الموت، حين يشكو هجر الولد، والشقيق، والقريب، والصديق. أي داء أخطر من هذا الداء؟ وأيّ حال أسوأ من تلك الحال التي تجعل صاحبها يجتر قول (المتنبي)، و قد سدّت أمامه سبل الحياة الكريمة:

كفى بنا داءً أن نرى الموت شافيا

وحسب المنايا أن يكون أمانيا

تمنيتُها لما تمنيت أن ترى

صديقاً فأعيا، أو عدواً مُداجيا

حببتك قلبي قبل حبك من نأى

وقد كان غدارا فكن أنت وافيا

وإنّ دموع الين غدرٌ بربها

إذا كنا إثر الغادرين بواكيا

* لا مقارنة بين من يطمح إلى مجدٍ دنيوي منتظر، أو من يبكي على مجدٍ زائل، أو وصل مندوب له الإنسان، لكن بهذا تتوارد العواطف.

* هذا السلوك المذموم لدينا من الأصحاء، وهم في أوج قوتهم، يدعونا للقول: إن هذا الإنسان، وهو يسير بكامل قواه على وجه البسيطة يغفل عن ذات المصير

المحتوم الذي لاقاه غيره، ويجهل ما قد يهدده من مصائب هذه الحياة وأرزائها. نعم لم نكن كذلك حتى خذلنا الضمير الحي، وتنكبنا عن طريق الخير، وخلعنا رداء الرحمة، والمودة، والإحسان. كل هذا جعلنا لا نتحرك للأسف أمام مشاهد البؤس، ولا تهزنا مشاهد الشقاء حتى مع ألزمتنا شريعة الإسلام بالعطف والإحسان إليهم. ا-هـ

dr_alawees@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد