الجزيرة - واس
وجه سماحة مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ كلمة تناول فيها موضوع العنف الأسري وما يتوجب أن تبنى عليه العلاقات الأسرية من مودة ورحمة وذلك استجابة من سماحته لتوصيات لقاء الخبراء الوطني حول العنف الأسري.
وقال سماحته: إن العنف الأسري ظلم لعباد الله واعتداء على حقوقهم وكرامتهم.
كما أنه سبب لانقطاع العمل الصالح بعد الموت باعتباره يورث ضياع الولد لما يسببه من اضطرابات شخصية.
كما أن مرتكب العنف عليه وزر من عمل به فإن العنف لا يورث إلا عنفاً، وفساداً، وإجراماً، فمن وقع عليه العنف لابد أن يمارس العنف مع أولاده، وكذا أولاده مع أولادهم.
كما أن العنف الأسري إفساد في الأرض وذلك لما يسببه من الأضرار العظيمة، والنتائج المؤلمة المحزنة، والمفاسد الكثيرة على الفرد، والأسرة، والمجتمع، فقد يؤدي إلى فقد الأرواح، أو فقد بعض حواس الإنسان أو أعضائه، ويقتل المواهب، فتكثر الأمراض العقلية والنفسية، وتكثر الجرائم والانتحارات، وتحصل العداوات بين أفراد الأسرة والمجتمع مما يؤدي إلى تفكك الأسرة وتشردها وضياعها، فيؤثر ذلك على سلامة المجتمع، ويعوق تقدمه، ويسبب انحطاطه، وانهيار كيانه، وتأخره في جميع المجالات.
واعتبر سماحة المفتي أن العنف الأسري سبب للبعد من رحمة الله، وموجب لسخط الله وعقابه وغضبه، قال الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف: 56)، وفي الحديث عن جرير بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لا يرحم لا يرحمه الله) متفق عليه، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي) أخرجه الترمذي.
ولتجنب الآثار السيئة للعنف الأسري، شدد سماحة المفتي العام على ضرورة اختيار الزوجة الصالحة التي تربت في بيئة صالحة، فالأم هي الخلية الأولى في بناء الأسرة.
إلى جانب القدوة الحسنة من قبل الأبوين فصلاح الأبوين، والتحلي بالأخلاق الحسنة سبب لصلاح الأولاد، واقتدائهم بهم وتأثرهم بهم.
والتحلي بالرفق والحلم والرحمة والمحبة وترويض النفس على الصبر، وتحمل الأذى من قبل الزوجة، والزوج، والأولاد، والأب، واحتساب الأجر عند الله في ذلك، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه).
والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في معاملته لزوجاته وأولاده، والتأسي بأخلاقه وآدابه مع أزواجه، وأولاده، وجميع الناس، وأن يعامل زوجته، وأولاده، ومن تحت يده معاملة وسطاً بين القسوة والشدة والتسلط، وبين الإهمال والتفريط في اللين، معاملة تتسم بالرفق والرحمة والشفقة مع توجيههم وتربيتهم تربية إسلامية صالحة وأطرهم على الحق أطراً.
أما من عامل أسرته باللين، وفرط في تدليلهم، وتركهم دون توجيه وتربية أو انشغل عنهم وأهملهم، وكذلك من أفرط في معاملتهم، وعاملهم بالقسوة، والشدة، والتسلط، ورفع الصوت، والضرب المبرح، واستعمل معهم الإيذاء بجميع أنواعه - وقد يكون ذلك لسبب بسيط يمكن تلافيه بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة - فقد خان الأمانة التي استأمنه الله واسترعاه عليها، وهو مسؤول أمام الله عن تضييع رعيته، روى معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) رواه الإمام مسلم.
وفي ختام كلمته قدم سماحة المفتي الشكر إلى القائمين على هذا البرنامج وفي مقدمتهم صاحبة السمو الملكي الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز آل سعود، رئيسة برنامج الأمان الأسري الوطني، ونائبتها صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، وجميع العاملين به، وسأل المولى جل وعلا أن يجزيهم على هذا الجهد المبارك، والإنجاز العظيم، والدعم المتواصل أحسن الجزاء وأوفره، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتهم يوم لقائه، وأن يمدهم بعونه وتوفيقه، ويعينهم على أداء هذه الأمانة العظيمة، والمسؤولية الكبيرة بما يرضي الله تعالى، كما سأله تعالى أن يحفظ على هذه البلاد المباركة دينها، وأمنها، واستقرارها، وأن يعزها بعز الإسلام، ويكبت أعداءها، ويرد كيدهم في نحورهم، إنه سميع قريب مجيب.