بعد أن استعرضت رؤية شاملة حول القطاع الزراعي في الجزأين الأول والثاني من هذا المقال سأخصص هذه المقالة الأخيرة للحديث عن القطاع الزراعي السعودي والتحولات الإستراتيجية التي تستجد في ساحته من خلال مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج.
قبل أن أتوغّل في الحديث عن القطاع الزراعي السعودي لابد من ذكر حقيقة هامة، فالراصد لمسيرة القطاع الزراعي السعودي يدرك أن التطورات التي شهدها في جميع مراحله كان الدعم الحكومي اللامحدود حجر الزاوية فيها، والعمل على بناء قطاع خاص زراعي يساهم في تحقيق الرؤية الإستراتيجية للزراعة كان على رأس الأولويات في كل مرحلة منه.
واليوم نشهد تحولاً استراتيجياً يشهده القطاع من خلال تبني الرؤية الشاملة لمفهوم الأمن الغذائي الوطني من خلال مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج والتي جاءت لتؤكد حقيقة أن الدعم الحكومي يتطور نوعياً وفق ظروف المرحلة وجاهزية القطاع الخاص. فالاستثمار في الخارج يأتي اليوم ثمرة لتراكم خبرات محلية في الاستثمار الزراعي استطاعت أن تجعل المملكة في مصاف التجارب الرائدة في المنطقة والتي تملك تقديم مخزونها الاستثماري المعرفي للعالم.
استشراف مبادرة المليك المباركة يدفعنا إلى التركيز بأن الاستثمار في الخارج عملية تحمل الكثير من الصعوبات والتحديات ولذا فان الدعم السياسي الحكومي لها يمثل صمام أمان لا غنى للمستثمر عنه لكنه بالمقابل لابد وان يدعم ويعزز من خلال تجارب استثمارية واعية تقوي موقفه، يستشعر فيها المستثمر حقيقة أن هذه المبادرة لا تمثل تجربة استثمارية منفردة وإنما مستقبل وقناعة الداخل والخارج بها وبجدوى استمرارها ولذا فان ثقافة الاستثمار المعزز بالمسؤولية والأخلاق واستلهام التجربة المحلية شرط لازم لنجاح هذه المبادرة وتعزيزها، فالمستثمر المنضوي تحت مبادرة المليك لابد وأن يدرك البعد الإنساني العميق الذي ينبع من مملكة الإنسانية باعتبار أن الاستثمار في الأرض يعزز العلاقة بأهلها ويخلق صورة ذهنية إيجابية عن البلاد المصدرة لهذا الاستثمار، وقد أدرك أعداء هذه البلاد خطورة هذه المقاربة فبدؤوا في زرع الأسئلة حول طبيعة هذا النوع من الاستثمار في بعض الدول المستهدف الاستثمار فيها في محاولة لعزل المستثمر عن المجال الحيوي الاجتماعي لتلك الدول.
المستثمر الزراعي السعودي شريك حقيقي في توضيح الصورة الحقيقية للمبادرة من خلال ممارسة إنسانية واحترافية عاليه تتجاوز الانتهازية والفردية لتتبنى الرؤية الحكيمة التي تنطلق منها المبادرة في التركيز على البعد الإنساني فالمستثمر سيساهم في خلق وظائف في الدول التي يستثمر بها وسيخصص جزء من محصول الأرض لأهلها من خلال توفيره في أسواق تلك الدول بأسعار معقولة بالإضافة إلى تطوير العمليات الإنتاجية وتراكم تجاربها بما يخدم استمرار التجربة وإثرائها. إنضاج مثل هذه التجربة يستلزم صياغة شروط والتزامات تحدد طبيعة عمل هذا المستثمر ونوعية استثماره وانعكاسات استثماره في البيئة المضيفة لاستثماراته.
ما أتوقعه أن يعمل القائمون على المبادرة على تطوير مؤشرات مرجعية يمكن الاحتكام لها في تحديد نسب نجاح المشروع الزراعي الخارجي المتوقعة من فشله، بمعنى أن تطور مؤشرات تصنف نوعية الاستثمار دون اجتهادات ولنا في برنامج 10?10 الذي أطلقته الهيئة العامة للاستثمار نموذج حيث تم الاحتكام لمرجعية المؤشرات التنافسية التي تضع المملكة في المرتبة العاشرة من حيث سهولة البيئة الاستثمارية من قبل كافة الجهات الحكومية ذات الصلة بالوصول لهذه المرتبة ما جعلها جميعا تتكامل للوصول لهذا الهدف دون تعارض بالرأي لأن المرجعية واضحة ومحددة.