هكذا هم، لا تدري!!
أينزلهم ربك من السماء رزقاً لك؟
أم ينبتهم ربهم من الأرض نباتاً حسناً، ويكفِّلهم بك؟
تلجمك الحيرة إذا تأملت في سحناتهم فوجدتها تحمل هيئة البشر، لولا لمسة من جمال روحي يفوق ما لدى البشرية!
وتأسرك الدهشة إذا نظرت لأجسادهم، فألفيتها تكويناً ربانياً بديعاً، برغم أنهم أناس يأكلون ما يأكل الناس، ويشربون مثلما يشربون، ويتنفسون ذات الهواء!
تجدهم أمامك - هكذا - دون حواجز، فيدهشك بياض قلوبهم، وتتعجب من نظافة أفئدتهم!
يبذلون أوقاتهم حتى لتكون طوع أمرك، ورهن إشارتك. وهم المطحونون برحى ضيق الوقت وكثرة الأعمال!
يفدونك بأرواحهم - وهي ثمينة - لأجل ابتسامة هادئة تنطلق من محياك بعفوية؛ لتشرق نفوسهم بالفرح!
وتلمع عيونهم بالسرور!
وتبرق قلوبهم بالاغتباط!
وقد تشعر بالتردد بقبولهم، والخوف من تواجدهم في حياتك!
إلا أنك تثق بأن هؤلاء، هبة الرحمن، أعطيات الله، ومنِّه وكرمه!
والله يرزق من عباده ما يشاء بدون حساب!
فإن آتى بعض الأنام مالاً، فهم موسرون، متنعمون، أثرياء!
وإن أسبغ على آخرين صحة فهم يرفلون بعافية، يغبطهم عليها المرضى وأصحاب الابتلاء!
وإن أعطى ثلة من خلقه جمالاً فهم يتبخترون في زهو، وتيه، وخيلاء!
أما حين يمنح الله قلة من عباده بشراً ذوي أرواح نقية، ونفوس طاهرة، فيمزجهم بروحه حتى الاندماج فذاك هو العطاء الذي لا يكاد يكفيه الشكر ولا يوفيه الحمد!
بل تبتل وتعبد وسجود!
فتلك المنحة الربانية وإن كانت لا تعد في مفهوم البشر من الثراء ولا هي - بنظرهم - تستجلب الخيلاء، إلا أنها أجمل المنح، وأكمل الهبات، وأتم المنن، وأرقى الأعطيات!
وإن كان الماء يحيي الأرض الموات، فتخضر وتورق أغصانها الجافة فذلك هو النشور!
وإن يعد التنفس لصدور المرضى فيؤوب لأجسادهم النبض فتلك هي الحياة!
وإن تخرج الأجساد من القبور في يوم اليقين فذلك هو البعث!
أما أن يمنحك الله من خلقه شخصاً يملك روحاً شفافة، تسكنك، تتغلغل في جسدك، فتدب فيه الحياة من جديد حتى تشك بسريان عروقه في جسدك؛ فتلك هي السعادة، وذلك هو النعيم!
فهل لديك شخص أضاء حياتك، وأعاد نشور روحك، بعد أن حصدتها مناجل الشقاء؟!
وهل عندك روح - شقيقة لروحك - أرجعت لحياتك نضارتها بعد أن درستها آلات الألم؟
وهل في روحك قلب آخر نابض بحبك بمقدوره أن يعيد لذاتك قيمتها بعد أن حطمتها أقدام الكراهية؟ وذرتها رياح الحقد؟ فنهض يحرث نفسك القاحلة إلا من الإحباط، ويطهرها من شوائب القهر، ويزرع في فؤادك بذور الحماس ويسقيها بعذب مياه تفاؤله، ويتعهدها بنبل مشاعره، ويظللها بسمو أحاسيسه.
فإن كان الرحمن منحك نفساً زكية قريبة لنفسك، هبة منه فأنت الغني الثري المتنعم.
أنت السعيد، وأنت المسرور.
أنت المحظوظ دون سواك!
وإن قدر الله عليك رزقه، فاسأله من فضله، وقل أنا دخيل عليك!
أنا الفقير إليك!
أنا المحتاج لكرمك.
اسألوا الله أن يمنحكم قلوباً لصيقة لقلوبكم تؤنس وحشتها، وتشد أزرها.
وإن منحكم فأنتم حقاً محظوظون!!
rogaia143 @hotmail.Com
ص. ب260564 الرياض11342