د. حسن الشقطي
بالسوق رقم على قدر كبير من الأهمية (أو هو الأهم على الإطلاق) قد لا يمكن التعرف عليه لعموم المتداولين، هو الرقم 16 الذي يشير إلى عدد (كبار) الملاك في السوق، وتتأتى أهميته لأنه يلعب دورا جوهريا في فهم عملية صناعة المؤشر العام للسوق.. وكثير من المستثمرين لا يدركون مدى أهمية معرفة هذا الرقم ليس للسوق ككل فقط ولكن للشركات التي يصنعون السوق من خلالها. إن فهم هذا الرقم لسوء الحظ يعتبر غير متاح كثيرا لشرائح صغار المستثمرين وحتى بعض كبارهم، إلا ان فهمه واستيعابه يعتبر أساس توجهات مؤشرات الأسهم والقطاعات والمؤشر العام للسوق ككل. فكيف يتم صناعة الأسهم والسوق؟ وكيف تم تأسيس النظام الجديد لصناعة السوق في ضوء التقنين الجديد لنسب الأسهم الحرة؟
لفهم صناعة السوق ينبغي فهم ماهية الأسهم الحرة أولا،ويشير عدد الأسهم الحرة إلى إجمالي عدد الأسهم المصدرة للشركة مستبعدا منها الأسهم غير المتاحة للتداول، وهي الأسهم المملوكة للأطراف الآتية: الحكومة أو مؤسساتها، والشريك الأجنبي إذا كان محظورا عليه البيع دون موافقة جهة إشرافية، والشريك المؤسس خلال فترة الحظر، ومن يملك 10% أو أكثر من أسهم شركة مدرجة بالسوق، وذلك كما جاء في موقع شركة تداول نصيا.
ثم يشير موقع تداول نصيا أيضا إلى أن الأسهم الحرة تحسب بإجمالي عدد الأسهم المصدرة للشركة مخصوماً منها ملكية الحكومة والشريك الأجنبي إن وجدت، والهيئات والمؤسسات والصناديق الاستثمارية بالإضافة إلى ملكية المؤسسين في الشركة أو ملكية الشريك الاستراتيجي التي تتجاوز نسبة (10%) من إجمالي عدد الأسهم أو تلك التي تحتاج إلى تفويض مسبق من الجهات التشريعية لبيعها في السوق.
إن المدقق في النصين أعلاه يلاحظ وجود بعض الغموض الذي يتطلب تفسيرات عديدة ومتعددة، وتزداد أهمية هذا التفسير إذا كان الأمر يتعلق بجانب يرتبط بعملية صنع الأسهم ومن ثم صنع المؤشر ككل. بداية تحديث نسب الأسهم الحرة يتم بشكل ربع سنوي، ويتم تثبيت هذه النسب خلال كل ربع سنوي، وذلك أمر إيجابي حتى لا يتشتت المتداولون في التعرف على هذه النسب يوميا.. إلا ان حساب هذه النسب ينتابه بعض الغموض للكثير من المتداولين.. وخاصة فيما يرتبط بما يلي:
1. النص الثاني يشير إلى أن ملكية الصناديق الاستثمارية الحكومية يتم استبعادها كأسهم غير متاحة للتداول، فهل فعلا يتم ذلك؟ وكيف يمكن استبعاد حصص ملكية لجهات تقوم بعمليات بيع وشراء من حين لآخر؟ يعني هذه الجهات تستطيع البيع والشراء بحصص كبيرة بالطبع ومؤثرة دونما تأثير على المؤشر، فإذا كان صندوق الاستثمارات العامة ذو حصص ثابتة ولا تتغير تقريبا، إلا إن مؤسسة التأمينات وصندوق التقاعد تتغير حصصهم من آن لآخر.. أي أن كافة عملياتها قد تتم في الظل، ولا يتم تحديث تأثيرها على المؤشر إلا كل ثلاثة شهور، وبالتالي فإن المؤشر قد لا يعبر بمصداقية عن حركة التداول.
2. أيضا يشير النص الثاني إلى أنه يتم استبعاد ملكية الشريك الاستراتيجي التي تتجاوز نسبة (10%) من إجمالي عدد الأسهم المصدرة.. ولكن أيضا هؤلاء الملاك حتى رغم خروجهم من نسب الأسهم الحرة القابلة للتداول، إلا ان هذا الخروج لا يمنعهم من ممارسة حقهم الشرعي في البيع والشراء والمشاركة في حركة التداول، ولكن من خلال إجراءات أو آليات معينة.. وللأسف هذه الآليات غير معلنة أو ربما لم أتمكن أنا شخصيا من الوصول إليها.. وهذا في حد ذاته يوضح أنها غير معلومة بسهولة لعامة المتداولين.
3. أي أنه لدينا في قائمة كبار الملاك مستويان هامان لنسبة التملك، هما نسبة 5% التي بتجاوزها يدرج اسم المستثمر في قائمة كبار الملاك، ونسبة 10% التي تجعله يدرج في قائمة كبار الملاك ولكن تستبعد أسهمه من الأسهم الحرة.. فهل كلاهما صانعان للسوق؟ وهل الشريحة الثانية (التي تمتلك أكثر من 10% من أسهم الشركات) يمكن أن تشارك في صناعة السوق حتى رغم خروج أسهمها من الأسهم الحرة؟ بل هل يعقل أنه عندما يمتلك مستثمر معين نسبة 5% في سهم معين يكون صانعا لسوقه، وعندما يمتلك أكثر من 10% لا يمتلك هذه القدرة؟
باختصار، رغم أن هناك عدد 84 مستثمرا من الأفراد هم الذين ظهرت أسماؤهم (وربما غابت بعدها لبعضهم) في قائمة كبار الملاك على موقع شركة تداول يمثلون كبار الملاك بالشركات المتداولة، إلا إن 26 مستثمرا فقط منهم هم الذين تتجاوز حدود تملكهم في شركات معينة نسبة الـ 10%. وهؤلاء يعتبرون هم أساس صانعي سوق هذه الشركات، ولكن لصناعة المؤشر، فإن 16 مستثمرا فقط هم الذين يعتبرون صناعا للسوق ككل، ممن يزيد حجم تملكهم في السوق عن 750 مليون ريال سواء في شركة أو عدة شركات.
ومن مفارقات السوق هو وجود نوع من القوة العائلية في صناعة السوق، حيث إن عددا من العائلات تمتلك قيما كبيرة في رسملة السوق، وتمتلك بالتالي القدرة الكاملة على صناعة المؤشر إذا حدث تنسيق بينها.. فبعض هذه العائلات يمتلك حصصا تصل قيمتها إلى 38.7 مليار ريال، وهي بالطبع حصة قوية ومؤثرة وتستطيع تسيير المؤشر العام في أي اتجاه.
أي أن عدد 26 مستثمرا هم صانعو أسهم الشركات، ثم عدد 16 مستثمرا فقط منهم هم صانعو المؤشر.. حتى رغم خروج أسهمهم من نسب الأسهم الحرة.. فمن غير المنطقي أن هؤلاء سوف يحتفظون بهذه النسب الكبيرة بدون تحريكها أو تداولها أو ضمان الاستفادة منها.. حتى إذا كانت هذه التحركات بطيئة ولا ترقى إلى مرحلة المضاربة اليومية أو الشهرية.. إلا انهم يمتلكون حق التداول بشكل أو بآخر وربما بآليات خاصة، وبالتالي يلعبون الدور الأكبر في صنع أسواق هذه الشركات، والتي في الغالب يسعون من خلالها لصنع السوق ككل.. ولنعط مثالا بالتغيرات الحادثة في يوم واحد ومدى تأثيرها على المؤشر كما يتضح من الجدول رقم (1):
إن السؤال الذي يثير نفسه.. ما هو تأثير هذه التغيرات التي حدثت في يوم واحد على المؤشر؟ بالطبع لن تؤثر جميعها على المؤشر، بل إن التغيرات الكبرى لن يكون لها أي تأثير على المؤشر، في حين أن التغيرات الصغيرة ستؤثر.. بشكل يوضح أنه رغم أن قائمة كبار الملاك توضح لنا التغيرات في نسب تملك كبار الملاك سواء الذين يزيدون عن 5% أو 10%، إلا أن تأثير التغيرات في هذه النسب لن يكون متوافقا على مؤشر السوق.. فمن تزيد نسب تملكهم عن 5% وتقل عن 10% هم محسوبين داخل الأسهم الحرة وبالتالي فإن تأثير عمليات تداولهم محسوب في قيمة المؤشر، ولكن أولئك الذين تزيد نسب تملكهم عن 10% فهم خارج نسب الأسهم الحرة وبالتالي تداولاتهم لا تدخل في حساب المؤشر.. فكيف يمكن استبعاد هذه التداولات الهامة والمؤثرة من حساب المؤشر؟ فألا يعد ذلك الفصل بمثابة خلق سوق للظل هو أقوى من السوق الحقيقي؟
محلل اقتصادي