Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/06/2009 G Issue 13403
الثلاثاء 16 جمادىالآخرة 1430   العدد  13403
ثقافة الأميركيين والأصوات المسلمة
فيشاكا ن. ديساي؛ كارين بروكس هوبكنز؛ مصطفى تليلي

 

لقد مَدَّ الرئيس باراك أوباما يد الصداقة المفتوحة في خطابه التاريخي الذي ألقاه من القاهرة على العالم الإسلامي - ساعياً بذلك إلى إشراك المسلمين في الالتزام بالاحترام المتبادل. والحقيقة أن لا أحد يستطيع أن يشكك في صدق نوايا أوباما أو إخلاصه. فمنذ أيامه الأول في منصبه كان حريصاً على التأكيد على أهمية البدء في فصل جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة ومسلمي العالم.

بيد أن تحقق هذه الغاية سوف يظل بعيد المنال ما لم نعترف بحقيقة محزنة مفادها أن أغلب الأميركيين ما زالوا يجهلون الحقائق الأساسية عن الإسلام إلى درجة يرثى لها، ولا يدرون شيئاً عن التنوع الجغرافي والثقافي العريض الذي تتسم به الثقافة الإسلامية.

إن غالبية استطلاعات الرأي العام التي أجريت في السنوات الأربع الأخيرة تؤكد أن نظرة الأميركيين للإسلام ما تزال ضحية لهجمات الحادي عشر من سبتمبر- أيلول 2001. على سبيل المثال، وجدت الاستطلاعات التي أجرتها واشنطن بوست مع شبكة ايه بي سي الإخبارية منذ عام 2006 أن ما يقرب من نصف الأميركيين يرون الإسلام من منظور (مجحف)، في حين اعترف واحد من بين كل أربعة بأنه يحمل مشاعر منحازة ضد المسلمين.

إن نظرة الأميركيين للعالم الإسلامي تتلون بالصراع الدائر في الشرق الأوسط والحرب في العراق وأفغانستان إلى الحد الذي يجعلهم غافلين عن حقيقة مفادها أن أغلب المسلمين يعيشون في آسيا، أو أن أضخم أربعة بلدان من حيث تعداد السكان من المسلمين - اندونيسيا، وباكستان، والهند، وبنجلاديش - تتمتع كلها بثقافات دامت لآلاف السنين وتاريخها حافل بالتعايش مع أديان وثقافات مختلفة.

كان تقرير صادر عن اللجنة الاستشارية للدبلوماسية الثقافية التابعة لوزارة الخارجية الأميركية في عام 2005 قد دعا إلى رؤية جديدة للدبلوماسية الثقافية (قادرة على تعزيز الأمن القومي للولايات المتحدة على نحو فَطِن وفي إطار نطاق عريض من السبل المستدامة). وفي عام 2008 اجتمع فريق مؤلف من زعماء أميركيين ينتمون إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي - مشروع المشاركة الأميركية الإسلامية - بدعوة من معهد البحث عن أرضية مشتركة وبناء الإجماع، ولقد أصدر الفريق تقريراً يدعو إلى تبني توجه جديد في علاقات الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي.

ومن بين الأهداف الرئيسية لهذا الجهد (تحسين الاحترام المتبادل والتفاهم بين الأميركيين والمسلمين في مختلف أنحاء العالم).

لقد حان الوقت لكي يلزم مواطنو الولايات المتحدة أنفسهم بالعمل جنباً إلى جنب مع إدارة أوباما لفتح صفحة جديدة من العلاقات مع العالم الإسلامي. وأول خطوة على هذا المسار تتمثل في بذل جهود منسقة للتوصل إلى فهم أفضل ومعرفة أوسع للمجتمعات المتعددة الجوانب التي يتألف منها العالم الإسلامي الذي يتجاوز تعداده المليار نسمة في مختلف أنحاء العالم.

إن قوة الثقافة تكمن في قدرتها على تحويل وتغيير المفاهيم. وأثناء الفترة من الخامس إلى الرابع عشر من يونيو - حزيران يشهد أهل نيويورك ذلك التنوع الثري من الثقافات المسلمة عبر مبادرة تنطلق في مختلف أنحاء المدينة تحت مسمى (أصوات مسلمة: فنون وأفكار). وفي إطار هذه الاحتفالية غير المسبوقة وهذا المؤتمر الضخم يجتمع أكثر من ثلاثمائة من الفنانين والكتاب والعلماء من أكثر من خمس وعشرين دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة.

وتشتمل العروض على مجموعة متنوعة مذهلة من الأشكال الفنية من العالم الإسلامي، والتي تتراوح بين التقليدي (الخط العربي، والأصوات الصوفية التعبدية) إلى المعاصر (فنون الفيديو الحديثة، والمسرح الاندونيسي الطليعي، وأغاني الهيب هوب العربية). ولقد اجتذب مؤتمر سياسي موازٍ العلماء والفنانين من مختلف أنحاء العالم لاستكشاف العلاقة بين الممارسة الثقافية والسياسة العامة واقتراح توجهات جديدة للدبلوماسية الثقافية. والهدف الحاسم لهذا المشروع يتلخص في المساعدة في كسر القوالب النمطية والتوصل إلى فهم أكثر دقة للمجتمعات الإسلامية.

على الرغم من تحمسنا للإمكانيات التي قد تحققها هذه المبادرة فيما يتصل بتوسيع آفاق التفاهم، إلا أن العروض التمثيلية أو الأفلام أو المعارض الفنية لا تكفي في حد ذاتها لإيجاد الحلول لكل المشاكل التي تفصل بين الأميركيين والعالم الإسلامي. والحقيقة أن المسافة الحالية متأصلة في الجهل بقدر تأصلها في القضايا السياسية المعقدة، والتي يتجاوز الكثير منها ما تستطيع الفنون والثقافة أن تعالجه بواقعية.

ولكن على الرغم من ذلك فإن الدبلوماسية الثقافية والمبادرات مثل (أصوات مسلمة) قادرة على فتح الأبواب أمام حقيقة العالم الإسلامي باعتباره حيزاً خصباً للإنتاج الفني على نطاق عالمي. وهذا بدوره من شأنه أن يشجع الاهتمام بمعالجة القضايا السياسية الأشد تعقيداً بالقدر اللازم من الاحترام والحس المنصف.

ظلت الخلافات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي لفترة طويلة من الزمن تشكل أساساً للصراع العالمي الدائم، بدلاً من أن يحكم هذه الخلافات إطار من التنوع الثري. ولكن حين يشترك الناس في خبرة جمالية تخاطب ثقافة معينة بل وتسمو عليها، فلابد وأن تتغير المفاهيم والتصورات.

لقد بلغت أميركا لحظة حاسمة في تاريخها الوطني والعالمي، مع الأمل المتجدد في التبادل الفكري، والحوار، والفهم المتبادل. يقول الرئيس باراك أوباما ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إن عصرهما سوف يقوم على (القوة الناعمة) التي سوف تستخدم على نحو فعّال كافة أدوات الدبلوماسية المتاحة، بما في ذلك الدبلوماسية الثقافية.

يتعين على الولايات المتحدة أن تعود إلى التركيز على الفنون باعتبارها وسيلة معبرة لتعزيز المشاركة الثقافية، وفي النهاية إيجاد قنوات تواصل جديدة مع العالم الإسلامي. وهذا من شأنه أن يؤكد لنا أننا لا ينبغي لنا أن نحدد علاقاتنا من خلال النزاعات السياسية فحسب. بل لقد باتت الفرصة سانحة الآن لتحديد الارتباطات بين أميركا والعالم الإسلامي من خلال تقاسم الثراء والتعقيد الذي يتسم به التعبير الفني الإسلامي - كخطوة حيوية على طريق التوصل إلى أرضية مشتركة للاحترام المتبادل.

فيشاكا ن. ديساي رئيس جمعية آسيا. وكارين بروكس هوبكنز رئيسة أكاديمية بروكلين للموسيقى. ومصطفى تليلي مؤسس ومدير مركز الحوار: العالم الإسلامي والولايات المتحدة والغرب بجامعة نيويورك.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2009.
www.project-syndicate.org
خاص «الجزيرة»



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد