على الذبالة والفانوس والغاز ِ |
عيشي ظلامك حتى يأذن الغازي |
أوسعته الصبرمهمازا فأوسعني |
صداً فحطم هذا الصد مهمازي |
ولي قرينان لا أنفك دونهما |
أصاحب الليل كشافي وعكازي |
هذا يضيء لخطوي منتهى قدمي |
وهذا ينفّر عني كل وخاز ِ |
أيشفع الشعر يا غازي أشفعه |
أم رقية الشعر لا تجدي لدى غازي؟ |
لم أجد مقدمة لمقالي هذا أجمل وأروع من مطلع هذه القصيدة الخالدة التي أهداها جدي الأديب عبد لله بن خميس - أطال الله في عمره - لمعالي الدكتور غازي القصيبي وزير الصناعة والكهرباء في ذلك الوقت يطالبه فيها بمد الكهرباء لوادي ابن عمار (العمارية) التي كانت محرومة من نعمة الكهرباء في ذلك الحين.
|
فرد عليه الدكتور غازي القصيبي بقصيدة تماثل جمال قصيدة ابن خميس و قال فيها:
|
أعبد لله يا شيخ القوافي |
ومرتجل البديعات الظراف |
تضرسني بأنياب حداد |
وتأسوني بأبيات لطاف |
|
أقمت بدوحك النائي تغني |
وأشقى بالكهارب والمشافي |
تقول: إلي بالتيار فورا |
وإلا فارتقب غضب السنافي |
وختم قصيدته بوعد لا يقبل التأجيل أوالتسويف وبالفعل فقد أوفى بوعده حين قال:
|
سألت القوم عنك فأخبروني |
بأن الكهرباء غدا توافي |
وفي شهرين تغمركم بنور |
كضوء الحب في ليل الزفاف |
وأضاف بيتا فيه من اللطف والدعابة الشيء الكثيرحيث قال:
|
فإن جاءت فكافئنا بشعر |
نسر به وقد قل المكافي |
وفي بستانك المعمور أولم |
بهرفي سمين في الخراف ِ |
وهذا وعدنا والوعد دين |
على حال الثراء أوالكفاف ِ |
قرأت هذه المساجلة الخالدة في ديوان عبد لله بن خميس الشهير (على ربى اليمامة) وتأملت عن كثب عذوبة مفرداتها والرقي في الأخذ والرد بها وبعد فترة قصيرة وحين أفقت من سكرة العبق الذي تنشره هذا الأبيات حتى الأفق قرأت قصيدة كتبها الدكتور غازي القصيبي ردا على مقال للكاتب المعروف محمد السحيمي في جريدة الوطن.
|
ما يدهشني حقا كيف لرجل دولة بحجم غازي القصيبي يحمل فوق كاهله مسؤوليات ثقيلة وأمانة عظيمة - أعانه الله على حملها - أن يرد على أكثر ما يكتب له وعنه.
|
فلا يكاد يمر يوم حتى نقرأ ردا أوتعقيبا من معاليه على ما ينشر، أورسالة شكر وامتنان لمن أثنى عليه.
|
وإن أنس فلا أنسى موقفه الكريم معي.. حين كنت في بداية كتابتي الصحفية وبالكاد أكتب مقالا مكتمل العناصر، ولكني كتبت كلمات أعلم ويعلم الدكتور غازي كم هي صادقة أثنيت فيها على شخصيته الموسوعية الفذة الملهمة التي لن تتكرر، ففوجئت باتصال أبوي دافئ وحان من معاليه يشكرني بتواضع جم على كلماتي وطلبت منه نصيحة أحملها معي طيلة العمر نورا ً وضوءا ً وشرفا ً منه.. فقال لي: (قبل أن تكتبي صفحة، اقرئي مئة صفحة).
|
لطالما آمنت أن الدكتور غازي رجل يعيش في غير زمانه.. بفكره ورؤيته وقد يختلف الناس على شخصيته وقد يتفقون ولكنهم لم ولن يستطيعوا أن يتجاهلوه وهذا هي الحقيقة التي لا تقبل الشك وتبقى حقيقة غازي فوق كل قول يقال.
|
أمام هذه الشخصية الفاعلة القريبة من الناس وأمام هذا الوزير الذي يستشعر آلام وهموم الشعب أجد أننا أمام فارق بعيد ومحرج لغيره من أصحاب القرار، فشتان بينه وبين كثير من الوزراء والمسؤولين الذي تصلهم كل يوم آلاف الشكاوى والأنات والزفرات ولا يلقون لها بالا، ويكون مصيرها الوأد والنسيان.. فهم يأنفون أن ينزلوا من بروجهم العاجية، مشغولون بكراسيهم الفارهة والتقاط صور مملة وهم يقصون الشريط الوهمي ونشرها بالصحف ووسائل الإعلام.
|
إن من أهم وأرقى مهام المسؤول أيا كان منصبه هوالتفاعل والتخاطب والتواصل مع الجمهور والشعب الذي هومنه وإليه.
|
أعتقد بأن غازي القصيبي أنموذج يحتذى به وقدوة لكثير من المسؤولين الذين أعمتهم مناصبهم.
|
وللأمانة.. فإن هناك بعضا من صناع القرار يتفاعلون مع نداء الشعب ويسمعون صوتا غير صوتهم ويتقبلون النقد والانتقاد وكثيرا ما يعملون به فهؤلاء هم الذي نحتاجهم وندعمهم وندعولهم.
|
ولكن لغيرهم، لمن أنستهم بهرجة الكراسي وبريق فلاشات الكاميرا هموم الشعب ودموع المظلومين المحتاجين أقول من نعم الله عليكم أن منحكم شرف قضاء حوائج الناس فتعاونوا معهم فإن اليد تغسل الأخرى واليدان تغسلان الوجه، وتواضعوا لله يرفعكم ويعلي شأنكم وتذكروا أن من نام على الأرض لم ولن يسقط، كما أن لكم في خادم الحرمين الشريفين خير قدوة وأكبر المثل على التواضع والبساطة فمجلسه العامر بعشرات المواطنين البسطاء خير دليل وأبلغ برهان على تلمسه لاحتياجات الشعب والاستماع لمشاكلهم وقضاياهم التي اعتبرها قضيته الأولى وأخيرا ً لا يصح إلا الصحيح والبقاء دوما للأفضل.
|
|
ملأى السنابل تنحني بتواضع |
والفارغات رؤوسهن شوامخ |
|
|
|
|