ورشة العمل التي أقامتها جامعة الملك سعود حول الجودة وتطبيقاتها في التعليم العالي جعلتنا نفكر مرة أخرى في هذا الموضوع، خاصة مع عرض بعض التجارب التي قد لا توضح بطريقة مباشرة سبل تحقيق الجودة.
وربما تتبادر بعض التساؤلات في أذهاننا فما مدى الحاجة إلى تحقيق الجودة، وهل هناك معيار صارم وموحد لها وهل ما عرض يمثل خبرات حقيقية في الجودة يمكن الاعتماد عليها كنماذج أساسية وهل الجودة فلسفة ونسعى لوصفها، أم هدف نسعى لتحقيقه، أم شعور أو إحساس نريد الوصول إليه، أم اتجاه نسعى لمسايرته.
تساؤلات واستفسارات لا بد أن نضعها أمامنا عند الحديث عن الجودة في الجامعة، أتصور أنه يصعب وضع معايير محددة وقاطعة للجودة في التعليم العالي نظراً لكثرة تخصصات وكليات التعليم العالي وتنوع البرامج والحرية الأكاديمية والتدريسية والوسيلة التي تميز هذا النوع من التعليم.
وإذا كانت الجودة هي المعيار الذي نحكم به على مستوى كفاءة المنتج وأنها عملية مستمرة للتطور لا تقف عند حد معين أو وقت معين وأنها تُمارس في جميع الأوقات فمن الأجدى وضع معيار محلي في الجودة للجامعة خاصة بعد الخبرات التي تكونت وورش العمل والندوات التي عقدت في هذا المجال والتجارب التي عرضت والأوراق التي قدمت بحيث يعرض هذا المعيار على بيوت الخبرة أو المؤسسات الأكاديمية العالمية وبعد دراسته والموافقة عليه كأنموذج موثوق للجودة يمكن تطبيقه عمليا وتتم مراجعته وتطويره بصفة دورية. وجود معيار محلي للجودة في الجامعة ربما يحقق بشكل أكبر حاجات المستفيدين وحاجات المجتمع ويتفق مع الثقافة المحلية ويحقق الرضا ويسهم في تثبيت إستراتيجية معينة تسهم في تحقيق التوقعات المفترضة أو أكثر منها. والمعيار المحلي بطبيعة الحال سيبنى على التجارب المختلفة والمعايير الموجودة عالمياً، لهذا فلا بد من الاهتمام بوضع مستوى عالٍ لهذا المعيار بحيث يكون التفوق هو السمة الأبرز، وأن تتوافر في المخرج النهائي خصائص معينة يمكن قياسها والإشارة إليها كأداة أو مؤشر للتفوق. أيضا لا بد أن يتوفر عنصر الرضا وتحقيق الحاجات والرغبات والتوقعات بالإضافة إلى الطموح الذي يشمل ما سبق، والمعيار المحلي للجودة لا بد أن يتمتع بمستوى عالٍ من التنافسية بحيث ينافس المعايير الدولية الأخرى ويكون مطابقاً لها أو متفوقاً عليها مع توفر قدر عالٍ من الموثوقية.
ويعتمد تطبيق الجودة في التعليم العالي على قدرة الطلاب واستعدادهم لتقبل متطلبات التعليم مرتفع الجودة والقدرة على حل المشكلات، وربط التعليم بالخبرات الحياتية، وامتلاك المهارات اللازمة لأداء بعض المهام الأكاديمية والعلمية، وقدرات الاتصالات والتواصل، والإنصاف بالنشاط وتقبل عملية التعلم وعدم الضجر منها. ولكي يحدث هذا يأتي دور المؤسسة التعليمية الفاعل والأساس في هذه العملية بتقديم وتوفير البيئة الكاملة والمناسبة لدعم وإحداث التعليم عالي الجودة بما تتضمنه هذه البيئة من كوادر بشرية ووسائل وطرق تدريس ومناهج وقاعات وغير ذلك مما هو معروف لخبراء الجودة. وهناك عنصر مهم آخر وهو إحساس جميع وحدات الجامعة بالمسؤولية المشتركة والسعي نحو تحقيق غاية واضحة ومحددة، والأخذ بآراء وخبرات المبرزين والقادة الأكاديميين في الجامعة وتقدير عمل الإداريين والموظفين للوصول إلى معيار محلي متميز للجودة وعلى الله الاتكال.