يعيش المجتمع السعودي في الوقت الحاضر أمام تحد مختلف، فنسبة المراهقين تجاوزت المعدلات الطبيعية عند مقارنتها ببقية دول العالم، وأصبحنا نعيش في مجتمع يافع، يمثل حالة انفجار سكاني حقيقي في الوطن، وتحكمه خطط وأهواء وسلوك مراحل عمرية محددة، وتتطلب برامج ومشاريع تنموية وتعليمية من أجل احتواء واستغلاله في الاتجاه الصحيح، لكن وبرغم من المشاريع التعليمية التي تم إقرارها مؤخراً إلا أن ظاهرة التمرد إن صح التعبير لا تزال مستمرة في مداهمة أجيال فاتها قطار التعليم العالي وفرص العمل والنجاح في طفرة التنمية، ولم تجد سبيلاً في البحث عن ذاتها إلا من خلال التعبير بشكل غير مسؤول عن أزماتها التعليمية والمعيشية من خلال صور متعددة من التمرد، ولكن تحمل في طياتها أبعادا في غاية الخطورة..
فالمجتمع وبسبب انحسار الطبقة الوسطى النسبي، وشغل فراغ الطبقة العاملة من خارج الوطن خلال العقدين الماضيين، ظهرت فيه أزمة أخلاقية وسلوكية متعددة الاتجاهات لعل من أهمها على الإطلاق ظاهرة الإرهاب التي ظهرت في البدء كحالة خروج علنية عن المنهج السلفي التقليدي، ثم تطورت إلى قاعدة مسلحة للإرهاب من أجل فرض أخلاقياتها وقراءاتها للدين الحنيف، ولا يمكن لذلك أن يحدث لولا وجود الأرضية المناسبة لتمرد مثل هذا الفكر عن أصوله..، ولا أعتقد أن بوسعنا الجزم أننا تجاوزناها في هذا المرحلة، فالأفكار تمردت على وسطيتها وصار لها أتباع برغم من نجاح بعض برامج المناصحة...
أيضاً كان لظاهرة التمرد اتجاهات مضادة، و تتصف بالعبثية التي ليس لها هدف، وبالبدائية في طريقة إثبات وجودها، فالمجتمع أصبح أيضا يعاني من التمرد السلوكي والأخلاقي غير الملتزم بأدنى مستويات اللباقة الاجتماعية، ومن أبرز معالمها ظاهرة قوافل السيارات الصغيرة والرخيصة الثمن، والتي تعبر الطرق ولا تلتزم بقوانين المرور، والتي غالباً ما تنتهي باحتفالات تتميز بعروض متهورة في قيادة السيارات فيما يطلق عليه بظاهرة (التفحيط)، والتي تحدث في أماكن محددة في المدينة وفي ظل غياب عين الرقابة عما يحدث فيها من تهور خطير..كذلك يصاحبها في اتجاه مواز ظاهرة الاستعراض بالسيارات الفارهة التي تمشي خارج القانون وفوق الأرصفة وبدون هوية مرورية، وهما بدون أدنى شك ظاهرتان تعبران عن أزمة تشخص حال المجتمع في ظل انحسار الطبقة الوسطى المتعلمة والمؤهلة لحفظ التوازن بين الناس..
ما يحدث لا يدخل في إطار التمرد العقلاني الذي تحكمه إفرازات الفكر والعقل، ولا يمكن اختزاله ضمن دورة إبداعية ستعود بثمارها على المجتمع في المستقبل، لأنه خروج عن نواميس الأخلاق الطبيعية، ويعبر في ناحية عن حالة تمرد في جيل وجد نفسه خارج دائرة الفرص في الانفجار التنموي، وربما يعبر عن حالة انتقام من المجتمع، وفي ناحية أخرى يصور بروز طبقة أيضا تتصف بعدم الاكتراث لأنها وجدت أشياءها واحتياجاتها متاحة بدون جهد يذكر، وهذان الاتجاهان إذا لم تتم مواجهة انفلاتهم السلوكي بالقانون سيزداد تمردهما، وستنتشر الجريمة والمخدرات في مجتمع لا يزال ينتظر الكثير من أجياله القادمة..
تقع المسؤولية مشتركة على مختلف فئات المجتمع الرسمية وغير الرسمية، ومن المفترض أن تتوحد الجهود لمواجهة هذه الثغرة التي حدثت بسبب أخطاء تنموية، فالأزمة الحقيقية في المستقبل تكمن في أولئك الذين لم يجدوا الفرصة، وانتهى بهم الحال إلى العيش على هامش المجتمع، وبدون مسؤولية ورقابة، وسيكون الحال أسوأ بكل تأكيد عندما يصبح هذا الجيل أكبر سناً وأكثر عدداً، لذلك من الضروري جداً أن تتم تحجيم اتجاهات الأنانية والفردية التي صارت تطغى على مبادرات المشاركة وتهزم روح الوطنية...، وكان من نتائجها أن صار لهم قوائم خاصة شعارها (أنا ومن بعدي الطوفان)..و سيكون الخاسر الأكبر في استمرار هذه المعادلة ذات الاتجاه الواحد هو الوطن الذي ندين له بأشياء يصعب حصرها في هذه المقالة القصيرة..